للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِجُمْلَةٍ حَالِيَّةٍ بِأَنْ يُقَالَ: وَقَدْ أَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ - أَيْ فِي تِلْكَ الْحَالِ - فَلَمْ يَذْكُرْهُ بِقَلْبِهِ وَلَا بِلِسَانِهِ، فَاسْتَحَقَّ عِقَابَهُ - تَعَالَى - بِإِطَالَةِ مُكْثِهِ عَلَى خِلَافِ مَا أَرَادَهُ مِنْ مَلِكِ مِصْرَ وَحْدَهُ.

(الثَّانِي) أَنَّ اللَّائِقَ بِمَقَامِهِ أَلَّا يَقُولَ ذَلِكَ الْقَوْلَ إِلَّا مِنْ بَابِ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ اللهِ - تَعَالَى - فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ كَمَا وَقَعَ بِالْفِعْلِ، فَإِنَّهُ مَا خَرَجَ مِنَ السِّجْنِ إِلَّا بِأَمْرِ الْمَلِكِ، وَمَا أَمَرَ الْمَلِكُ بِإِخْرَاجِهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ السَّاقِي خَبَرَهُ، وَمَا آتَاهُ رَبُّهُ مِنَ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ الرُّؤَى وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَصَّاهُ بِهِ يُوسُفُ، فَإِذَا كَانَ قَدْ وَصَّاهُ بِذَلِكَ مُلَاحِظًا أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ اللهِ فِي عِبَادِهِ مُتَذَكِّرًا ذَلِكَ - وَهُوَ اللَّائِقُ بِهِ - فَلَا يُعْقَلُ أَنْ يُعَاقِبَهُ رَبُّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ، وَعَطْفُ الْإِنْسَاءِ بِالْفَاءِ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ بَعْدَ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ، فَلَا تَكُونُ هِيَ ذَنْبًا وَلَا مُقْتَرِنَةً بِذَنْبٍ فَيَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الْعِقَابَ.

(الثَّالِثُ) إِذَا قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّهُ كَانَ ذَاكِرًا لِرَبِّهِ عِنْدَمَا أَوْصَى السَّاقِي مَا أَوْصَاهُ بِهِ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَهُ عَقِبَ الْوَصِيَّةِ وَاتَّكَلَ عَلَيْهَا وَحْدَهَا. (قُلْنَا) : إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ نَسِيَ ذَلِكَ فِي الْحَالِ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ النِّسْيَانُ مُدَّةَ ذَلِكَ الْعِقَابِ وَهُوَ بِضْعُ سِنِينَ أَوْ تَتِمَّتُهَا، كُنْتُمْ قَدِ اتَّهَمْتُمْ هَذَا النَّبِيَّ الْكَرِيمَ تُهْمَةً فَظِيعَةً لَا تَلِيقُ بِأَضْعَفِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا، وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ، بَلْ يُبْطِلُهَا وَصْفُ اللهِ لَهُ بِأَنَّهُ مِنَ الْمُحْسِنِينَ وَمِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلَصِينَ الْمُصْطَفَيْنَ، وَبِأَنَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَأَنَّهُ صَرَفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ، وَكَيْدَ النِّسَاءِ.

وَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ أَنْسَاهُ ذِكْرَ رَبِّهِ بُرْهَةً قَلِيلَةً عَقِبَ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ مُرَاقَبَتِهِ لَهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَذِكْرِهِ فَهَذَا النِّسْيَانُ الْقَلِيلُ، لَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الْعِقَابَ الطَّوِيلَ، وَلَمْ يُعْصَمْ مِنْ مِثْلِهِ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا يُعْلَمُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ: الرَّابِعِ، وَالْخَامِسِ.

(الرَّابِعُ) جَاءَ فِي نُصُوصِ التَّنْزِيلِ فِي خِطَابِ الشَّيْطَانِ: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) ١٥: ٤٢ وَقَالَ - تَعَالَى -: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) ٧: ٢٠١ فَالتَّذَكُّرُ بَعْدَ النِّسْيَانِ الْقَلِيلِ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ التَّقْوَى.

(الْخَامِسُ) أَنَّ النِّسْيَانَ لَيْسَ ذَنْبًا يُعَاقِبُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - لِخَاتَمِ

النَّبِيِّينَ: (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ٦: ٦٨ يَعْنِي الَّذِينَ أَمَرَهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ إِذَا رَآهُمْ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِ اللهِ.

(السَّادِسُ) أَنَّهُمْ مَا قَالُوا هَذَا إِلَّا لِأَنَّهُمْ رَوَوْا فِيهَا حَدِيثًا مَرْفُوعًا عَلَى قِلَّةِ جُرْأَةِ الرُّوَاةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>