للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي مَعَانِيهِمَا مِنَ التَّكَلُّفِ وَالتَّحَرِّي وَالطَّلَبِ أَوْ هُوَ بِعَيْنِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ فِيمَا يُسْنَدُ إِلَى اللهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) (٣: ١٩٥) وَالْمَعْنَى: وَإِذْ كُنْتُ قَرِيبًا مِنْهُمْ مُجِيبًا لِدَعْوَةِ مَنْ دَعَانِي مِنْهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا هُمْ لِي بِتَحَرِّي مَا أَمَرْتُهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ لَهُمْ كَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِ مِمَّا أَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، كَمَا أُجِيبُ دَعْوَتَهُمْ بِقَبُولِ عِبَادَتِهِمْ، وَتَوَلِّي إِعَانَتِهِمْ، فَالْآيَةُ تُفِيدُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ هُوَ الَّذِي يُطَاعُ طَاعَةَ الْعِبَادَةِ، فَإِذَا دَعَانَا غَيْرُهُ إِلَى عِبَادَةٍ اخْتَرَعَهَا بِاجْتِهَادِهِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا فِيمَا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَى نَبِيِّهِ لَا نُجِيبُهُ إِلَيْهَا، كَمَا أَنَّنَا لَا نَدْعُو غَيْرَهُ تَعَالَى.

وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ هُنَا: إِنَّهُ أَمَرَ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُؤْمِنِينَ،

وَذَهَبَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ إِلَى أَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ وَأَنَّ حَظَّ مَنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ مِنْهُ أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ وَيُطَالِبَهَا بِأَنْ تَكُونَ أَعْمَالُهُ الظَّاهِرَةُ الَّتِي عُدَّ بِهَا مُسْلِمًا صَادِرَةً عَنِ الْإِيمَانِ الْيَقِينِيِّ وَالِاحْتِسَابِ وَالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَفِي ذِكْرِ الْإِيمَانِ بَعْدَ الِاسْتِجَابَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَسْتَجِيبُ إِلَى الْأَعْمَالِ وَيَقُومُ بِهَا وَهُوَ خُلْوٌ مَنْ رُوحِ الْإِيمَانِ (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٤٩: ١٤) .

(لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) أَيْ: بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِذْعَانِ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَالرُّشْدُ وَالرَّشَادُ ضِدُّ الْغَيِّ وَالْفَسَادِ، فَعَلَّمَنَا أَنَّ الْأَعْمَالَ إِذَا لَمْ تَكُنْ صَادِرَةً بِرُوحِ الْإِيمَانِ لَا يُرْجَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا رَاشِدًا مَهْدِيًّا، فَمَنْ يَصُومُ اتِّبَاعًا لِلْعَادَةِ وَمُوَافَقَةً لِلْمُعَاشِرِينَ فَإِنَّ الصِّيَامَ لَا يَعُدُّهُ لِلتَّقْوَى وَلَا لِلرَّشَادِ، وَرُبَّمَا زَادَهُ فَسَادًا فِي الْأَخْلَاقِ وَضَرَاوَةً بِالشَّهَوَاتِ ; لِذَلِكَ يُذَكِّرُنَا تَعَالَى فِي أَثْنَاءِ سَرْدِ الْأَحْكَامِ بِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ فِي إِصْلَاحِ النُّفُوسِ، وَإِنَّمَا نَفْعُ الْأَعْمَالِ فِي صُدُورِهَا عَنْهُ وَتَمْكِينِهَا إِيَّاهُ.

(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>