للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الِاحْتِرَازُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَلَّا يُفْطِرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ غُرُوبَ الشَّمْسِ وَأَنْ يُمْسِكَ إِذَا شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ.

وَهَذَا التَّفْرِيقُ ضَعِيفٌ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ لِلصَّائِمِ أَنْ يُعَجِّلَ الْفِطْرَ وَيُؤَخِّرَ السُّحُورَ، وَمَعَ الْغَيْمِ الْمُطْبِقِ لَا يُمْكِنُ الْيَقِينُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَذْهَبَ وَقْتٌ طَوِيلٌ جِدًّا يُفَوِّتُ الْمَغْرِبَ وَيُفَوِّتُ تَعْجِيلَ الْفُطُورِ، وَالْمُصَلِّي مَأْمُورٌ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَتَعْجِيلِهَا، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ غُرُوبُ الشَّمْسِ أُمِرَ بِتَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ إِلَى حَدِّ الْيَقِينِ فَرُبَّمَا يُؤَخِّرُهَا حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ وَهُوَ لَا يَسْتَيْقِنُ غُرُوبَ الشَّمْسِ.

وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: أَفْطَرْنَا

يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فِي غَيْمٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شَيْئَيْنِ:

(الْأَوَّلُ) عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ مَعَ الْغَيْمِ التَّأْخِيرُ إِلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ الْغُرُوبَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةُ مَعَ نَبِيِّهِمْ أَعْلَمُ وَأَطْوَعُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ.

(وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ أَمَرَهُمْ بِالْقَضَاءِ لَشَاعَ ذَلِكَ كَمَا نُقِلَ فِطْرُهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قِيلَ لِهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ قَالَ: أَوَبُدٌّ مِنَ الْقَضَاءِ؟ قِيلَ: هِشَامٌ قَالَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ، لَمْ يَرْوِ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِذَلِكَ عِلْمٌ أَنَّ مَعْمَرًا رَوَى عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامًا قَالَ: لَا أَدْرِي قَضَوْا أَمْ لَا؟ ذَكَرَ هَذَا وَهَذَا عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ، وَقَدْ نَقَلَ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْقَضَاءِ، وَعُرْوَةُ أَعْلَمُ مِنِ ابْنِهِ، وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) . وَهَذِهِ الْآيَةُ مَعَ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُبَيِّنُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْأَكْلِ إِلَى أَنْ يَظْهَرَ الْفَجْرُ، فَهُوَ مَعَ الشَّكِّ فِي طُلُوعِهِ مَأْمُورٌ بِالْأَكْلِ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ.

وَأَمَّا الْكُحْلُ وَالْحُقْنَةُ وَمَا يَقْطُرُ فِي إِحْلِيلِهِ. وَمُدَاوَاةُ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ فَهَذَا مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُفَطِّرْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَطَّرَ بِالْجَمِيعِ لَا بِالْكُحْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَطَّرَ بِالْجَمِيعِ لَا بِالتَّقْطِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُفَطَّرُ بِالْكُحْلِ وَلَا بِالتَّقْطِيرِ وَيُفَطَّرُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُفَطَّرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الصِّيَامَ مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا حَرَّمَهَا اللهُ وَرَسُولُهُ فِي الصِّيَامِ وَيَفْسَدُ الصَّوْمُ بِهَا لَكَانَ هَذَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ بَيَانُهُ، وَلَوْ ذُكِرَ ذَلِكَ لَعَلِمَهُ الصَّحَابَةُ وَبَلَّغُوهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>