للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى بِالْقَلْبِ مَعَ اللِّسَانِ، حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى مُرَاقَبَتِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، فَيَكُونَ عَبْدًا لَهُ لَا لِلْأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ، وَإِنَّمَا تِلْكَ الْأَعْمَالُ مُذَكِّرَاتٌ لِلنَّاسِي.

وَالْجِمَارُ ثَلَاثٌ، وَهِيَ كَالْجَمَرَاتِ جَمْعُ جَمْرَةٍ، وَمَعْنَاهَا هُنَا مُجْتَمَعُ الْحَصَى، مِنْ جَمَرَهُ بِمَعْنَى جَمَعَهُ، وَرَمْيُهَا مِنْ ذِكْرَيَاتِ النُّسُكِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَبْحِ الْقَرَابِينَ هُنَالِكَ، وَعَامَّةُ أَعْمَالِ الْحَجِّ ذِكْرَيَاتٌ لِنَشْأَةِ الْإِسْلَامِ الْأُولَى فِي عَهْدِ الْخَلِيلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلُّ جَمْرَةٍ تُرْمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ صَغِيرَةٍ كُلَّ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَوِ الِاثْنَيْنِ، وَتَمْتَازُ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ مِنْهَا بِأَنَّهَا تُرْمَى قَبْلَ ذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ أَيْضًا.

ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّقْوَى بَعْدَ الْإِعْلَامِ بِمَكَانَتِهَا فَقَالَ: (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أَيِ: اتَّقُوهُ فِي حَالِ أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ وَفِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ، وَكُونُوا عَلَى عِلْمٍ يَقِينٍ بِأَنَّكُمْ تُجْمَعُونَ وَتُسَاقُونَ إِلَيْهِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيُرِيكُمْ جَزَاءَ أَعْمَالِكُمْ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) (١٩: ٦٣) فَإِنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ هُوَ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي النَّفْسِ فَيَبْعَثُهَا عَلَى الْعَمَلِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَلَى ظَنٍّ أَوْ شَكٍّ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ تَارَةً وَيَتْرُكُ أُخْرَى لَتَنَازُعِ الشُّكُوكِ قَلْبَهُ.

وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْأُسْلُوبِ أَنَّ تَكْرَارَ الْأَمْرِ بِالذِّكْرِ وَبَيَانِ مَكَانَةِ التَّقْوَى، ثُمَّ الْأَمْرُ بِهَا تَصْرِيحًا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مِنَ الْإِيجَازِ مَا هُوَ فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الْإِعْجَازِ، حَتَّى سَكَتَ عَنْ بَعْضِ الْمَنَاسِكِ الْوَاجِبَةِ لِلْعِلْمِ بِهَا - كُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّنَا عَلَى أَنَّ الْمُهِمَّ فِي الْعِبَادَةِ ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى الَّذِي يُصْلِحُ النُّفُوسَ وَيُنِيرُ الْأَرْوَاحَ، حَتَّى تَتَوَجَّهَ إِلَى الْخَيْرِ وَتَتَّقِيَ الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ، فَيَكُونُ صَاحِبُهَا مِنَ الْمُتَّقِينَ، ثُمَّ يَرْتَقِي فِي فَوَائِدِ الذِّكْرِ وَثَمَرَاتِهِ فَيَكُونُ مِنَ الرَّبَّانِيِّينَ.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>