للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُشْرِكُونَ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَحَالَفُوا عَلَى الْإِيقَاعِ بِالْمُسْلِمِينَ وَقُطِعَ دَابِرُهُمْ، وَأَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ وَالشِّدَّةِ وَالْجُوعِ وَالْحَاجَةِ وَضُرُوبِ الْأَذَى، وَإِذِ انْتَقَضَ الْمُنَافِقُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ، وَقَالُوا كَمَا قَالَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: (مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (٣٣: ١٢) وَإِذْ جَاءَهُمُ الْأَعْدَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَظَنُّوا بِاللهِ الظُّنُونَ، وَإِذِ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا، وَإِذْ رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الصَّادِقُونَ الْأَحْزَابَ مُتَحَزِّبَةً عَلَيْهِمْ فَقَالُوا عَلَى قِلَّتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ وَجُوعِهِمْ وَعُرْيِهِمْ: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (٣٣: ٢٢) .

أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ يُخَاطِبُهُمُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) أَيْ: وَإِلَى الْآنَ لَمْ يُصِبْكُمْ مَا أَصَابَ الَّذِينَ سَبَقُوكُمْ بِالْإِيمَانِ وَالْهُدَى وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْحَقِّ مِنَ النَّبِيَّيْنِ وَالصِّدِّيقِينِ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، فَالْمُرَادُ بِالْمَثَلِ: الْوَصْفُ الْعَظِيمُ وَالْحَالَةُ الَّتِي لَهَا شَأْنٌ بِحَيْثُ يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ. أَيْ لَمْ تَكُنْ لَكُمْ هَذِهِ الْحَالُ الشَّدِيدَةُ إِلَى الْآنَ. وَهَذَا النَّفْيُ الْمُسْتَغْرِقُ مِمَّا يُوَجِّهُ الْأَذْهَانَ إِلَى طَلَبِ الْعِلْمِ بِمَا أَصَابَ أُولَئِكَ الْأَقْوَامَ; وَلِذَلِكَ وَصَلَهُ بِالْبَيَانِ فَقَالَ: (مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ) الْبَأْسَاءُ: الشِّدَّةُ تُصِيبُ الْإِنْسَانَ فِي غَيْرِ نَفْسِهِ وَبَدَنِهِ كَأَخْذِ الْمَالِ وَالْإِخْرَاجِ مِنَ الدِّيَارِ وَتَهْدِيدِ الْأَمْنِ وَمُقَاوَمَةِ الدَّعْوَةِ، وَفَسَّرَهُ (الْجَلَالُ) بِالْفَقْرِ وَهُوَ مِنْ أَثَرِهِ. وَالضَّرَّاءُ: مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ فِي نَفْسِهِ كَالْجَرْحِ وَالْقَتْلِ، وَفَسَّرَهُ الْجَلَالُ بِالْمَرَضِ وَهُوَ بَعْضُهُ، وَأَمَّا الزِّلْزَالُ: فَهُوَ الِاضْطِرَابُ فِي الْأَمْرِ يَتَكَرَّرُ حَتَّى يَكَادَ يَزِلُّ صَاحِبُهُ عَنْهُ، وَهَذَا الْحَرْفُ فِيهِ لَفْظُ زَلَّ مُكَرَّرًا وَمَعْنَاهُ زَلِقَ وَانْحَرَفَ، فَزَلْزَلَهُ بِمَعْنَى هَزَّهُ وَدَعَّهُ، لِيُزِلَّهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ; أَيْ: إِنَّهُمْ وَصَلُوا إِلَى دَرَجَةِ حُدُوثِ الِاضْطِرَابِ وَالْإِشْرَافِ عَلَى الزَّلَلِ فِي مَجْمُوعِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: (وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) (٢٣: ١١) وَالْآيَةُ الَّتِي

نُفَسِّرُهَا تُصَرِّحُ بِأَنَّ بَعْضَ السَّابِقِينَ كَانُوا أَشَدَّ زِلْزَالًا مِنْ هَذَا الَّذِي وَقَعَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي يَوْمِ الْأَحْزَابِ، وَلَعَلَّ الْغَايَةَ الَّتِي وَصَلُوا إِلَيْهَا وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا سَلَفُنَا هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ) أَيْ: حَتَّى وَصَلُوا إِلَى غَايَةٍ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالْأَهْوَالِ لَمْ يَرَوْا فِيهَا مَنْفَذًا لِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْفَوْزِ; لِأَنَّ قُوَّةَ أَعْدَاءِ الْحَقِّ أَحَاطَتْ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَدَنَتْ حَتَّى أَخَذَتْ بِأَكْظَامِهِمْ فَاعْتَقَدُوا أَنَّ وَقْتَ الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالنَّصْرِ الَّذِي وَعَدَ اللهُ بِهِ مَنْ يَنْصُرُ الْحَقَّ قَدْ حَانَ وَقْتُهُ أَوْ أَبْطَأَ فَاسْتَعْجَلُوهُ بِقَوْلِهِمْ: (مَتَى نَصْرُ اللهِ) ؟ فَأَجَابَهُمْ تَعَالَى: (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) بِأَنْ نَصَرَهُمْ، وَكَفَّ عَنْهُمْ شَرَّ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَأَيَّدَ دَعْوَتَهُمْ وَجَعَلَ كَلِمَتَهُمُ الْعُلْيَا وَكَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا هِيَ السُّفْلَى وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا، وَمِثْلُ هَذِهِ - بَلْ أَشَدُّ - قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>