جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقِمَارِ الْمَعْرُوفَةِ فِي عَصْرِنَا إِلَّا مَا يُسَمُّونَهُ (الْيَانَصِيبَ) فَإِنَّهُ عَلَى كَوْنِهِ مَيْسِرًا لَا شَكَّ فِيهِ لَا يَظْهَرُ جَمِيعُ مَفَاسِدِهِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَهَذَا بَيَانُهُ:
مَيْسِرُ الْيَانَصِيبِ
هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَالٍ كَثِيرٍ تَجْمَعُهُ بَعْضُ الْحُكُومَاتِ أَوِ الْجَمْعِيَّاتِ أَوِ الشَّرِكَاتِ مِنْ أُلُوفٍ مِنَ النَّاسِ كَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ - جُنَيْهٍ - مَثَلًا تَجْعَلُ جُزْءًا كَبِيرًا كَعَشَرَةِ آلَافٍ مِنْهُ لِعَدَدٍ قَلِيلٍ مِنْ دَافِعِي الْمَالِ كَمِائَةٍ مَثَلًا يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِطَرِيقَةِ الْمَيْسِرِ وَتَأْخُذُ هِيَ الْبَاقِيَ; ذَلِكَ بِأَنْ تَطْبَعَ أَوْرَاقًا صَغِيرَةً كَأَنْوَاطِ الْمَصَارِفِ الْمَالِيَّةِ (بَنْكِ نُوتْ) تُسَمَّى أَوْرَاقَ (الْيَانَصِيبِ) تَجْعَلُ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا دِينَارًا وَاحِدًا مَثَلًا يُطْبَعُ عَلَيْهَا، وَتَجْعَلُ الْعَشَرَةَ آلَآلَافِ الَّتِي تُعْطِي رِبْحًا لِمُشْتَرِي هَذِهِ الْأَوْرَاقِ مِائَةَ سَهْمٍ أَوْ نَصِيبٍ تُعَرَّفُ بِالْأَرْقَامِ الْعَدَدِيَّةِ وَتُسَمَّى النِّمَرَ - جَمْعُ نِمْرَةٍ - وَيُطْبَعُ عَلَى الْوَرَقَةِ الْمُشْتَرَاةِ عَدَدُهَا وَمَا تَرْبَحُهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَائِلِ مِنْهَا، وَتَجْعَلُ بَاقِيَهَا لِلتِّسْعِينَ الْبَاقِيَةِ مِنَ الْمِائَةِ بِالتَّسَاوِي بِتَرْتِيبٍ كَتَرْتِيبِ أَزْلَامِ الْمَيْسِرِ يُسَمُّونَهُ السَّحْبَ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ قِطَعًا صَغِيرَةً مِنَ الْمَعْدِنِ يُنْقَشُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَدَدٌ مِنْ أَرْقَامِ الْحِسَابِ يُسَمُّونَهُ نِمْرَةً مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنَ الْأَوْرَاقِ مِائَةَ أَلْفٍ، وَيَضَعُونَهَا فِي وِعَاءٍ مِنَ الْمَعْدِنِ كُرَوِيِّ الشَّكْلِ كَخَرِيطَةِ الْأَزْلَامِ (الْقِدَاحِ) الَّتِي بَيَّنَّاهَا آنِفًا، فِيهَا ثُقْبَةٌ كُلَّمَا أُدِيرَتْ مَرَّةً خَرَجَ مِنْهَا نِمْرَةٌ مِنْ تِلْكَ النِّمَرِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّحْبِ أُدِيرَتْ بِعَدَدِ الْأَرْقَامِ الرَّابِحَةِ فَمَا خَرَجَ مِنْهَا أَوَّلًا سُمِّي النِّمْرَةَ الْأُولَى مَهْمَا يَكُنْ عَدَدُهَا، وَهِيَ الَّتِي يُعْطَى حَامِلُهَا النَّصِيبَ الْأَكْبَرَ مِنَ الرِّبْحِ كَالْقَدَحِ الْمُعَلَّى عِنْدَ الْعَرَبِ، وَمَا خَرَجَ مِنْهَا ثَانِيًا سُمِّيَ النِّمْرَةَ الثَّانِيَةَ، وَيُعْطَى حَامِلُهَا النَّصِيبَ الَّذِي يَلِي الْأَوَّلَ، حَتَّى إِذَا مَا انْتَهَى عَدَدُ النِّمَرِ الرَّابِحَةِ وَقَفَ السَّحْبُ عِنْدَهُ وَكَانَ الْبَاقِي خَاسِرًا.
وَأَمَّا كَوْنُ هَذَا النَّوْعِ لَا يَظْهَرُ فِيهِ مَا فِي سَائِرِ الْأَنْوَاعِ مِنْ ضَرَرِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ؛ فَلِأَنَّ دَافِعِي الْمَالِ فِيهِ لَا يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ السَّحْبِ
وَقَدْ يَكُونُونَ فِي بِلَادٍ أَوْ أَقْطَارٍ بَعِيدَةٍ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَلَا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا آخَرَ فَيَشْغَلُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى كَقِمَارِ الْمَوَائِدِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا يَعْرِفُ الْخَاسِرُ مِنْهُمْ فَرْدًا أَوْ أَفْرَادًا أَكَلُوا مَالَهُ فَيَبْغَضُهُمْ وَيُعَادِيهِمْ كَمَيْسِرِ الْعَرَبِ وَقِمَارِ الْمَوَائِدِ وَنَحْوِهِ، وَكَثِيرًا مَا يُجْعَلُ (الْيَانَصِيبُ) لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ كَإِنْشَاءِ الْمُسْتَشْفَيَاتِ وَالْمَدَارِسِ الْخَيْرِيَّةِ وَإِعَانَةِ الْفُقَرَاءِ، أَوْ مَصْلَحَةٍ دَوْلِيَّةٍ وَلَا سِيَّمَا الْإِعَانَاتُ الْحَرْبِيَّةُ، وَالْحُكُومَاتُ الَّتِي تُحَرِّمُ الْقِمَارَ تُبِيحُ (الْيَانَصِيبَ) الْخَاصَّ بِالْأَعْمَالِ الْخَيْرِيَّةِ الْعَامَّةِ أَوِ الدَّوْلِيَّةِ. وَلَكِنَّ فِيهِ مَضَارَّ الْقِمَارِ الْأُخْرَى، وَأَظْهَرُهَا أَنَّهُ طَرِيقٌ لِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ; أَيْ: بِغَيْرِ عِوَضٍ حَقِيقِيٍّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ، هَذَا مُحْرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَحَلِّهِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الْمَالَ الَّذِي يُبْنَى بِهِ مُسْتَشْفَى لِمُعَالَجَةِ الْمَرْضَى أَوْ مَدْرَسَةٌ لِتَعْلِيمِ أَوْلَادِ الْفُقَرَاءِ أَوْ مَلْجَأٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute