للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُهُ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ هِيَ مُؤْمِنَةٌ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَعْتِقَنَّهَا وَلَأَتَزَوَّجَنَّهَا، فَفَعَلَ، فَطَعَنَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: نَكَحَ أَمَةً)) وَكَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يُنْكِحُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَيَنْكِحُوهُمْ رَغْبَةً فِي أَنْسَابِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ (وَلَا تَنْكِحُوا) الْآيَةَ.

انْتَهَى سِيَاقُ الْأَلُوسِيِّ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ سِيَاقِ السُّيُوطِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ; لِأَنَّهُ مُفَصَّلٌ وَذَاكَ مُخْتَصَرٌ اخْتِصَارًا أَوْهَمَ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَأَمَةٌ) إِلَخْ.

عَلَى أَنَّ السُّيُوطِيَّ قَالَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ: إِنَّ الصَّحَابَةَ يَذْكُرُونَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي كَذَا وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ إِلَّا تَفْسِيرَهَا; أَيْ: إِنَّ مَعْنَاهَا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ، وَإِذَا ذَكَرُوا أَسْبَابًا فَقَدْ يَعْنُونَ أَنَّهَا نَزَلَتْ عَقِبَهَا. وَالْأَلُوسِيُّ يَقُولُ: إِنَّ السُّيُوطِيَّ تَعَقَّبَ الْوَاحِدِيَّ فِي السَّبَبِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِهِ هَذَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا التَّعَقُّبِ، عَلَى أَنَّهُ حَوَى كِتَابَ الْوَاحِدِيِّ وَزِيَادَاتٍ، وَأَمَّا آيَةُ (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) (٢٤: ٣) فَقَدْ ذَكَرَ لَهَا السُّيُوطِيُّ سَبَبَيْنِ، أَحَدُهُمَا: ((أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمَّ مَهْزُولٍ كَانَتْ تُسَافِحُ)) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَالثَّانِي: ((أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مَزِيدٌ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَكَّةَ صَدِيقَةً لَهُ يُقَالُ لَهَا عَنَاقُ)) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - وَفِي حَدِيثِهِ عَنْهُمَا مَقَالٌ - وَقَدْ رَوَى الْأَوَّلَ غَيْرُ مَنْ ذُكِرَ، وَقَوْلُهُ هُنَا ((مَزِيدٌ)) مُصَحَّفٌ وَالصَّوَابُ مَرْثَدٌ. وَنِكَاحُ الْبَغَايَا كَانَ فَاشِيًا، وَالْمَشْهُورَاتُ مِنْهُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَثِيرَاتٌ، وَقَدْ نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي الْجَمِيعِ.

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ مَا رُوِيَ فِي الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا الْآنَ مُتَّفِقٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُشْرِكَاتِ فِيهَا غَيْرُ الْكِتَابِيَّاتِ مِنْ نِسَاءِ الْعَرَبِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُشْرِكِينَ

وَالْمُشْرِكَاتِ عَامٌّ يَشْمَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ; لِأَنَّ بَعْضَ مَا هُمْ عَلَيْهِ شِرْكٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ بَعْضِ عَقَائِدِهِمْ: (سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٩: ٣١) وَاسْتَدَلُّوا عَلَى شِرْكِهِمْ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (٤: ٤٨) وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مُشْرِكِينَ لَجَازَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُشْرِكَاتِ مُشْرِكَاتُ الْعَرَبِ اللَّاتِي لَا كِتَابَ لَهُنَّ; لِأَنَّ هَذَا هُوَ عُرْفُ الْقُرْآنِ فِي لَقَبِ الْمُشْرِكِ، قَالَ تَعَالَى: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ) (٢: ١٠٥) الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (٩٨: ١) وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يَتَّفِقُ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي بَيَانِ مَنْ يَحِلُّ مِنَ النِّسَاءِ: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحَصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (٥: ٥) وَهِيَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَقَدْ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ; وَلِذَلِكَ ذَهَبَ مَنْ قَالَ بِأَنَّ لَفْظَ الْمُشْرِكَاتِ شَامِلٌ لِلْكِتَابِيَّاتِ إِلَّا أَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ نَسَخَتْ آيَةَ الْبَقَرَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>