للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللهَ فِي أَمْرِ زَوْجِهَا فَتَكْفُرَهُ أَوْ تَخُونَهُ، وَيَخَافَ هُوَ أَنْ يَخْرُجَ عَنِ الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ فِي مُؤَاخَذَةِ النَّاشِزِ، وَيَخَافَا مَعًا سُوءَ الْعِشْرَةِ (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الْجُنَاحُ: الْإِثْمُ، أَيْ لَا جُنَاحَ عَلَيْهَا فِيمَا تُعْطِيهِ إِيَّاهُ لِيَخْلَعَهَا; لِأَنَّ طَلَبَهَا الطَّلَاقَ إِنَّمَا يُحْظَرُ لِغَيْرِ هَذَا الْعُذْرِ، وَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا يَأْخُذُ لِأَجْلِ ذَلِكَ; لِأَنَّهُ بِرِضَاهَا وَاخْتِيَارِهَا مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ مِنْهُ وَلَا مُضَارَّةٍ، وَالْخَوْفُ هُنَا عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ تَوَقُّعُ الْمَكْرُوهِ، وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالظَّنِّ وَبَعْضُهُمْ بِالْعِلْمِ، وَتَوَقُّعُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِوُجُودِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ قَطْعِيًّا فَهُوَ مِنَ الْعِلْمِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنَ الظَّنِّ، وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْخِطَابَ الْأَوَّلَ لِلْأَزْوَاجِ وَالثَّانِيَ لِلْحُكَّامِ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمُ الْخِطَابَ لِلْحُكَّامِ أَوَّلًا وَآخِرًا لِتَنَاسُقِ النَّظْمِ بِتَنَاسُقِ الضَّمَائِرِ.

وَيَقُولُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ الْخِطَابَ فِي مِثْلِ هَذَا لِلْأُمَّةِ; لِأَنَّهَا مُتَكَافِلَةً فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَأُولُو الْأَمْرِ هُمُ الْمُطَالَبُونَ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ بِالْقِيَامِ بِالْمَصَالِحِ، وَالْحُكَّامُ مِنْهُمْ وَسَائِرُ النَّاسِ رُقَبَاءُ عَلَيْهِمْ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ (يُخَافَا) بِضَمِّ الْيَاءِ; أَيْ: يَتَوَقَّعُ النَّاسُ مِنْهُمَا ذَلِكَ لِظُهُورِ أَمَارَاتِهِ وَآيَاتِهِ.

وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْخَوْفِ مِنْ عَدَمِ إِقَامَةِ حُدُودِ اللهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُثَارُهُ الرَّجُلَ أَوِ الْمَرْأَةَ، وَخَصَّهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ بِمَا إِذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ إِقَامَتِهَا مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ، وَاخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّفِقُ مَعَ عَدْلِ الْإِسْلَامِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، إِذْ جَعَلَ هَذَا اسْتِثْنَاءً مِنْ تَحْرِيمِ أَخْذِ الرَّجُلِ الْمُطَلِّقِ شَيْئًا مَا مِمَّا أَعْطَاهُ امْرَأَتَهُ.

وَيَنْجَلِي هَذَا بِعَرْضِ حَالَاتِ الزَّوْجَيْنِ الثَّلَاثِ عَلَى الْعَقْلِ وَالْعَدْلِ: فَهُمَا إِنْ أَقَامَا

حُدُودَ اللهِ تَعَالَى بِحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَأَدَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا حَقَّ الْآخَرِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ شُذُوذٍ يُتَسَامَحُ فِيهِ عَادَةً فَلَا خَوْفَ وَلَا فِرَاقَ، وَإِنْ عَرَضَ لَهَا مَا يَمْنَعُ إِقَامَتَهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَارِضُ الْمَانِعُ مِنْ قِبَلِ أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ بِأَنْ أَبْغَضَ الْمَرْأَةَ أَوْ فُتِنَ بِغَيْرِهَا وَأَحَبَّ فِرَاقَهَا لِغَيْرِ ذَنْبٍ مِنْهَا أَوْجَبَ ذَلِكَ وَخَافَ أَلَّا يُعَامِلَهَا بِمَا يَجِبُ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَأَنْ تُقَابِلَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يُسَرِّحَهَا بِإِحْسَانٍ; لِأَنَّ عُقْدَةَ الزَّوْجِيَّةِ بِيَدِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِمَّا كَانَ أَعْطَاهَا شَيْئًا بِالنَّصِّ، وَهُوَ (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ) الْآيَةَ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي أَرَادَ الطَّلَاقَ.

وَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ قِبَلِهَا كَأَنْ أَبْغَضَتْهُ بُغْضًا لَا تَسْتَطِيعُ الصَّبْرَ عَلَيْهِ وَالْقِيَامَ مَعَهُ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، وَخَافَتْ أَنْ تَقَعَ فِي النُّشُوزِ، وَيُسْرِفَ هُوَ فِي الْعُقُوبَةِ، فَمِنَ الْعَدْلِ أَنْ تُعْطِيَهُ مَا كَانَتْ أَخَذَتْ مِنْهُ بِاسْمِ الزَّوْجِيَّةِ لِيَحِلَّ عُقْدَتَهَا، فَلَا يَخْسَرُ مَالَهُ وَزَوْجَتَهُ مَعًا. عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ فِي الْآيَةِ، إِذْ تَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَيْهَا، وَنَفْيُ الْجُنَاحِ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ظَاهِرٌ فِي الرَّجُلِ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ بِمَعْنَى الْمُفْرِدِ لِخَفَائِهِ عَلَيْهِمْ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ، وَمَا هُوَ بِخَفِيٍّ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ يُذَمُّ مِنْهَا شَرْعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>