للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: (ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ) إِلَخْ، وَأَمَّا كَوْنُهُ أَزْكَى وَأَطْهَرُ فَقَدْ جَعَلَهُ عَامًّا وَخَاطَبَ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً بُقَوْلِهِ: (ذَلِكُمْ) إِلَخْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا تَوْجِيهُ الثَّانِي فَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهَا تَكُونُ زَكَاءً لَهُ وَبَرَكَةً فِي بَيْتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَطُهْرًا لِعِرْضِهِ وَشَرَفِهِ، سَوَاءٌ أَوَعَظَ بِتِلْكَ الْآيَاتِ فَاتَّعَظَ لِإِيمَانِهِ، أَمْ عَمِلَ بِهَا لِسَبَبٍ آخَرَ؛ بِأَنْ بَلَغَتْهُ غَفِلًا مِنَ الْمَوْعِظَةِ غَيْرَ مُسْنَدَةٍ إِلَى الْوَحْيِ أَوْ قَلَّدَ بِهَا بَعْضَ الْعَامِلِينَ، وَكَوْنُ الْخِطَابِ بِقَوْلِهِ: (ذَلِكَ) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِيهِ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَوْجِيهِهِ: إِنَّهُ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ) (٦٥: ١) لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُشَارِ إِلَيْهِ أَمْرٌ لَا يَكَادُ يَتَصَوَّرُهُ كُلُّ أَحَدٍ. اهـ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلْجَمْعِ عَلَى تَأْوِيلِ الْقَبِيلِ، وَقِيلَ: لِكُلِّ أَحَدٍ، وَقِيلَ: لِمُجَرَّدِ الْخِطَابِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْمُنْقَضِي دُونَ تَعْيِينِ الْمُخَاطَبِينَ، ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْبَيْضَاوِيُّ. وَسَأَلَ الْفَخْرَ الرَّازِيَّ: لِمَ وَحَّدَ الْكَافَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (ذَلِكَ) مَعَ أَنَّهُ يُخَاطِبُ جَمَاعَةً؟ وَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا جَائِزٌ، وَالتَّثْنِيَةُ أَيْضًا جَائِزَةٌ، وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِاللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) (١٢: ٣٧) وَقَالَ: (فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) (١٢: ٣٢) إِلَى آخِرِ مَا أَوْرَدَ، وَهُوَ جَوَابٌ مُبْهَمٌ مُوهِمٌ; فَإِنَّ التَّثْنِيَةَ هُنَا وَارِدَةٌ فِي خِطَابِ الِاثْنَيْنِ، وَالْجَمْعَ الْمُؤَنَّثَ وَارِدٌ فِي خِطَابِ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، فَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الِاسْتِعْمَالِ - وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُ - أَنَّ الْكَافَ الْمُفْرَدَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ خِطَابٍ سَوَاءً كَانَ الْمُخَاطَبُ مُفْرَدًا أَوْ مُثَنًّى أَوْ جَمْعًا وَهِيَ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ، فَإِذَا تَحَوَّلَ الْمُتَكَلِّمُ عَنْهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ عَلَى حَسَبِ الْمُخَاطَبِينَ. تَقُولُ لِلرَّجُلِ (ذَلِكَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَبِكَسْرِهِ لِلْمَرْأَةِ، وَذَلِكُمَا لِلِاثْنَيْنِ مُطْلَقًا، وَذَلِكُمْ لِلذُّكُورِ، وَذَلِكُنَّ لِلْإِنَاثِ وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ.

(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

<<  <  ج: ص:  >  >>