الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَأَعْرَضَ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا فِي الزَّمَنِ الْحَاضِرِ، حَتَّى كَثُرَ التَّارِكُونَ الْغَافِلُونَ وَالْمَارِقُونَ، وَقَلَّ عَدَدُ الْمُصَلِّينَ السَّاهِينَ وَنَدَرَ الْمُصَلُّونَ الْمُحَافِظُونَ؟ ذَلِكَ أَنَّ الْإِسْلَامَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمِينَ، الَّذِينَ يَصِفُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْمُتَمَدِّنِينَ قَدْ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ عَقِيدَةً دِينِيَّةً، إِلَى كَوْنِهِ جِنْسِيَّةً سِيَاسِيَّةً، آيَةُ الِاسْتِمْسَاكِ بِهِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ وَالدِّفَاعِ عَنْهُ مَدْحُ كُبَرَاءِ حُكَّامِهِ وَإِنْ كَانُوا لَا يُقِيمُونَ حُدُودَهُ وَلَا يُنَفِّذُونَ أَحْكَامَهُ، بَلْ رَفَعُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَى مَرْتَبَةِ التَّشْرِيعِ الْعَامِّ، وَاسْتِبْدَالِ الْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ بِمَا نَزَّلَ اللهُ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَلَا غَرْوَ أَنْ يُعَدَّ الَّذِي يَلْغُو بِمَدْحِ دَوْلَتِهِ أَوْ بِذَمِّ عَدُوٍّ لَهَا مِنْ أَكْبَرِ أَنْصَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ عَقِيدَتِهِ وَلَا يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَلَا يُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَلَا يَحْفِلُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُخْلِصًا فِي دِفَاعِهِ يَتَحَرَّى بِهِ وَجْهَ الْمَنْفَعَةِ الْعَامَّةِ لَا تَتَبُّعِ طُرَقَ الْمَالِ وَالْجَاهِ، أَرَأَيْتَ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمِينَ سِيَاسَةً؟ وَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَتُتْلَى عَلَيْهِ تِلْكَ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فَيُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَصُدُّهُ عَنْهَا عَدَمُ إِيمَانِهِ بِهَا وَهُوَ الَّذِي قَدْ يَصِفُ نَفْسَهُ أَوْ يَصِفُهُ أَقْرَانُهُ ((بِالْمُتَمَدِّنِ وَالْمُتَنَوِّرِ)) وَمِنْهُمْ مَنْ يَصْدِفُ
بِهِ عَنْهَا الِاتِّكَالُ عَلَى شَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ، وَالْغُرُورُ بِالِانْتِسَابِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَالِاعْتِقَادُ بِأَنَّ النِّسْبَةَ إِلَيْهِ كَافِيَةٌ فِي نَيْلِ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِيهَا عَلَى شَيْءٍ، وَلَا سِيَّمَا الَّذِي يُسَمِّي نَفْسَهُ ((مَحْسُوبًا عَلَى أَحَدِ الصَّالِحِينَ)) وَهَذَا اعْتِقَادُ أَكْثَرِ الْعَامَّةِ، وَلَهُمْ مِنْ مَشَايِخِ الطُّرُقِ وَغَيْرِهِمْ مَا يُمِدُّهُمْ فِي غَيِّهِمْ وَيَسْتَدْرِجُهُمْ فِي غُرُورِهِمْ، وَمَا أَعْظَمَ غُرُورَ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهُمُ الْعَهْدَ وَيُحَافِظُ عَلَى الْوِرْدِ.
نَعَمْ إِنَّ لِلْإِسْلَامِ دَوْلَةً وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ دِينًا لَا جِنْسِيَّةً، وَوَظِيفَةُ دَوْلَتِهِ أَوْ حُكُومَتِهِ إِنَّمَا هِيَ نَشْرُ دَعْوَتِهِ، وَحِفْظُ عَقَائِدِهِ وَآدَابِهِ، وَإِقَامَةُ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ، وَتَنْفِيذُ أَحْكَامِهِ فِي دَارِهِ، فَمَنْ يَنْصُرُ حُكُومَةَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّمَا يَنْصُرُهَا بِمُسَاعَدَتِهَا عَلَى ذَلِكَ بِالْعَمَلِ بِهِ فِي نَفْسِهِ، وَبِحَمْلِ غَيْرِهِ مِنْ حَاكِمٍ وَمَحْكُومٍ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ هُوَ الْمُقَوِّمُ وَالْمُعَزِّزُ لِلْأُمَّةِ، وَإِنَّمَا الدَّوْلَةُ بِالْأُمَّةِ.
وَإِنَّ إِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ هُمَا أَعْظَمُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، فَالصَّلَاةُ هِيَ الرُّكْنُ الرَّكِينُ لِصَلَاحِ النُّفُوسِ، وَالزَّكَاةُ هِيَ الرُّكْنُ الرَّكِينُ لِصَلَاحِ الِاجْتِمَاعِ، فَإِذَا هُدِمَا فَلَا إِسْلَامَ فِي الدَّوْلَةِ.
مَاذَا كَانَ مِنْ أَثَرِ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالتَّهَاوُنِ بِالدِّينِ فِي الْمُدُنِ وَالْقُرَى وَالْمَزَارِعِ؟ كَانَ مِنْ أَثَرِهِ فِي الْمُدُنِ فُشُوُّ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ، تَجِدُ حَانَاتِ الْخَمْرِ وَمَوَاخِيرَ الْفُجُورِ وَالرَّقْصِ وَبُيُوتَ الْقِمَارِ غَاصَّةً بِخَاصَّةِ النَّاسِ وَعَامَّتِهِمْ حَتَّى فِي لَيَالِي رَمَضَانَ، لَيَالِي الذِّكْرِ وَالْقُرْآنِ، وَعَبَدَ النَّاسُ الْمَالَ، لَا يُبَالُونَ أَجَاءَ مِنْ حَرَامٍ أَمْ مِنْ حَلَالٍ، وَانْقَبَضَتِ الْأَيْدِي عَنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ، وَانْبَسَطَتْ فِي أَفْعَالِ الشَّرِّ، وَزَالَ التَّعَاطُفُ وَالتَّرَاحُمُ، وَقَلَّتِ الثِّقَةُ مِنْ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، فَلَا يَكَادُ يَثِقُ الْمُسْلِمُ إِلَّا بِالْأَجْنَبِيِّ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الْأَخْلَاقِ وَقُبْحِ الْفِعَالِ فِي الْأَفْرَادِ، وَأَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ انْحِلَالُ الرَّوَابِطِ الْمِلِّيَّةِ، بَلْ تَقَطُّعُ أَكْثَرِهَا، حَتَّى كَادَتِ الْأُمَّةُ تَخْرُجُ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute