سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ
(وَهِيَ السُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَآيَاتُهَا مِائَتَانِ) نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فِي الْمَدِينَةِ وَآيَاتُهَا مِائَتَانِ بِاتِّفَاقِ الْعَادِّينَ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَوَاضِعَ عَدَّهَا بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، مِنْهَا (الم) أَوَّلُ السُّورَةِ عُدَّتْ فِي الْكُوفِيِّ آيَةً (وَالْإِنْجِيلَ) الْأُولَى لَمْ تَعُدَّ فِي الشَّامِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ.
الِاتِّصَالُ بَيْنَ هَذِهِ السُّورَةِ وَمَا قَبْلَهَا مِنْ وُجُوهٍ:
فَمِنْهَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بُدِئَ بِذِكْرِ الْكِتَابِ وَشَأْنِ النَّاسِ فِي الِاهْتِدَاءِ، فَفِي السُّورَةِ الْأُولَى ذَكَرَ أَصْنَافَ النَّاسِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ وَالْمُنَاسِبُ فِي ذَلِكَ التَّقْدِيمُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ فِي أَصْلِ الدَّعْوَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ ذِكْرُ الزَّائِغِينَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَالرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ، وَيَقُولُونَ: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَالْمُنَاسِبُ فِيهِ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا وَقَعَ بَعْدَ انْتِشَارِ الدَّعْوَةِ.
(وَمِنْهَا) أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ حَاجَّ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَلَكِنَّ الْأُولَى أَفَاضَتْ فِي مُحَاجَّةِ الْيَهُودِ وَاخْتَصَرَتْ فِي مُحَاجَّةِ النَّصَارَى، وَالثَّانِيَةَ بِالْعَكْسِ، وَالنَّصَارَى مُتَأَخِّرُونَ عَنِ الْيَهُودِ فِي الْوُجُودِ وَفِي الْخِطَابِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ. فَنَاسَبَ أَنْ تَكُونَ الْإِفَاضَةُ فِي مُحَاجَّتِهِمْ فِي السُّورَةِ الثَّانِيَةِ.
(وَمِنْهَا) مَا فِي الْأُولَى مِنَ التَّذْكِيرِ بِخَلْقِ آدَمَ، وَفِي الثَّانِيَةِ مِنَ التَّذْكِيرِ بِخَلْقِ عِيسَى، وَتَشْبِيهِ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ فِي كَوْنِهِ جَاءَ بَدِيعًا عَلَى غَيْرِ سُنَّةٍ سَابِقَةٍ فِي الْخَلْقِ. وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يُذْكَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي السُّورَةِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا.
(وَمِنْهَا) أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَحْكَامًا مُشْتَرَكَةً كَأَحْكَامِ الْقِتَالِ. وَمَنْ قَابَلَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ رَأَى أَنَّ مَا فِي الْأُولَى أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ وَمَا فِي الثَّانِيَةِ أَجْدَرُ بِالتَّأْخِيرِ.
(وَمِنْهَا) الدُّعَاءُ فِي آخِرِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَالدُّعَاءُ فِي الْأُولَى يُنَاسِبُ بَدْءَ الدِّينِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكْلِيفِ وَطَلَبِ النَّصْرِ عَلَى جَاحِدِي الدَّعْوَةِ وَمُحَارِبِي أَهْلِهَا. وَفِي الثَّانِيَةِ يُنَاسِبُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْكَلَامَ فِي قَبُولِ الدَّعْوَةِ وَطَلَبِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ. (وَمِنْهَا) مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ خَتْمِ الثَّانِيَةِ بِمَا يُنَاسِبُ بَدْءَ الْأُولَى كَأَنَّهَا مُتَمِّمَةٌ لَهَا ; ذَلِكَ أَنَّهُ بَدَأَ الْأُولَى بِإِثْبَاتِ الْفَلَاحِ لِلْمُتَّقِينَ. وَخَتَمَ الثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ: وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute