للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا) الْآيَةَ ٦٢ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أُصُولَ دِينِ اللهِ تَعَالَى عَلَى أَلْسِنَةِ جَمِيعِ رُسُلِهِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ: الْإِيمَانُ بِاللهِ، وَالْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْجَزَاءِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَمِنْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ ٨٣ مِنْ مِيثَاقِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَثَمَرَةُ الْإِيمَانِ مَنُوطَةٌ بِالثَّلَاثَةِ.

(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ) أَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ مَعًا؛ لِأَنَّ الدِّينَ إِيمَانٌ وَعَمَلٌ.

وَمِنَ الْغُرُورِ أَنْ يَظُنَّ الْمُنْتَمِي إِلَى دِينِ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، أَنَّهُ يَنْجُو مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ بِمُجَرَّدِ الِانْتِمَاءِ، وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِ مَا حَكَاهُ اللهُ لَنَا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ غُرُورِهِمْ بِدِينِهِمْ وَمَا رَدَّ بِهِ عَلَيْهِمْ حَتَّى لَا نَتَّبِعَ سُنَنَهُمْ فِيهِ، وَهُوَ: (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) الْآيَاتِ ٨٠ - ٨٢ وَمَا حَكَاهُ عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَمِيعًا مِنْ قَوْلِهِمْ: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ) إِلَخِ الْآيَتَيْنِ ١١١ و١١٢، وَلَكِنَّنَا قَدِ اتَّبَعْنَا سُنَنَهُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ مِصْدَاقًا لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وَإِنَّمَا نَمْتَازُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الْمُتَّبِعِينَ لَهُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ لَا كُلُّهَا. وَبِحِفْظِ نَصِّ كِتَابِنَا كُلِّهِ وَضَبْطِ سُنَّةِ نَبِيِّنَا فِي بَيَانِهِ، وَبِأَنَّ حُجَّةَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْهُدَى مِنَّا قَائِمَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

(الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ) أَنَّ شَرْطَ الْإِيمَانِ: الْإِذْعَانُ النَّفْسِيُّ لِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ الَّذِي يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَمَأْخَذُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) الْآيَةَ ٨٣ إِلَى آخَرِ الْآيَةِ ٨٦ وَقَوْلُهُ: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا) الْآيَةَ ١٠٠، فَمَنْ تَرَكَ بَعْضَ الْعَمَلِ بِجَهَالَةٍ فَهُوَ فَاسِقٌ إِلَى أَنْ يَتُوبَ، وَمَنْ تَرَكَهُ لِعَدَمِ الْإِذْعَانِ لَهُ كَانَ كَافِرًا بِهِ، وَالْكُفْرُ بِالْبَعْضِ كَالْكُفْرِ بِالْكُلِّ، وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) الْآيَةَ.

وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْكُفْرِ الْعَمَلِيِّ الَّذِي لَا يَخْرُجُ بِهِ صَاحِبُهُ مِنَ الْمِلَّةِ الَّذِي اسْتَشْهَدُوا لَهُ بِحَدِيثِ: ((لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ) إِلَخْ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ هُوَ مِنْ عَمَلِ الْأَفْرَادِ الَّذِي تَغْلِبُهُمْ عَلَيْهِ دَاعِيَةٌ طَبِيعِيَّةٌ كَالشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ. وَمَا نَحْنُ فِيهِ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِالشَّرْعِ الْإِلَهِيِّ لِعَدَمِ الْإِذْعَانِ لَهُ، كَاسْتِبَاحَةِ قَتْلِ فَرِيقٍ مِنَ الْأُمَّةِ وَنَفْيِ فَرِيقٍ آخَرَ مِنْ وَطَنِهِ بِمَحْضِ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَالطَّمَعِ فِي عَرَضِ الدُّنْيَا، لَا بِجَهَالَةٍ عَارِضَةٍ يُغْلَبُ فِيهَا الْفَرْدُ عَلَى أَمْرِهِ ثُمَّ يَثُوبُ إِلَيْهِ رُشْدُهُ فَيَتُوبُ إِلَى رَبِّهِ.

(الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ) النَّسْخُ أَوِ الْإِنْسَاءُ لِلْآيَاتِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي يُؤَيِّدُ اللهُ بِهَا رُسُلَهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا) اقْرَأْهَا وَمَا بَعْدَهَا (١٠٦ و١٠٧) أَوْ لِلْآيَاتِ التَّشْرِيعِيَّةِ كَمَا فَهِمَ الْجُمْهُورُ. كِلَاهُمَا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِجَعْلِ الْبَدَلِ خَيْرًا مِنَ الْأَصْلِ، أَوْ مِثْلَهُ عَلَى الْأَقَلِّ، وَتَكُونُ الْخَيْرِيَّةُ فِي الْمِثْلِ التَّنْوِيعُ وَكَثْرَةُ الْآيَاتِ.

(الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ) قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (١٢٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>