للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ " وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ رَوَاهُ النَّاسُ عَامَّةً: أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ، وَلَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ قِرَاءَتِهِمَا، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ عُرِفَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " أَنَا مِنَ الرَّاسِخِينَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ " وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ دَعَا لَهُ بِعِلْمِ تَأْوِيلِ الْكِتَابِ، فَكَيْفَ لَا يَعْلَمُ التَّأْوِيلَ؟ مَعَ أَنَّ قِرَاءَةَ عَبْدِ اللهِ " إِنْ تَأْوِيلُهُ إِلَّا عِنْدَ اللهِ " لَا تُنَاقِضُ هَذَا الْقَوْلَ، فَإِنَّ نَفْسَ التَّأْوِيلِ لَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا اللهُ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ [٧: ٥٣] وَقَالَ: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ [١٠: ٣٩] وَقَدِ اشْتُهِرَ عَنْ عَامَّةِ السَّلَفِ أَنَّ الْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ، وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ هُوَ مَجِيءُ الْمَوْعُودِ بِهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ اللهِ لَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا هُوَ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ: إِنْ عِلْمُ تَأْوِيلِهِ إِلَّا عِنْدَ اللهِ. كَمَا قَالَ فِي السَّاعَةِ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [٧: ١٨٧، ١٨٨] وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ فِرْعَوْنُ لِمُوسَى: فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى [٢٠: ٥١، ٥٢] فَلَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ نَفْيَ الْعِلْمِ عَنِ الرَّاسِخِينَ لَكَانَتْ: إِنْ عِلْمُ تَأْوِيلِهِ إِلَّا عِنْدَ اللهِ، لَمْ يَقْرَأْ (إِنْ تَأْوِيلُهُ إِلَّا عِنْدَ اللهِ) . فَإِنَّ هَذَا حَقٌّ بِلَا نِزَاعٍ.

" وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى الْمَرْوِيَّةُ عَنْ أُبَيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُنَاقِضُهَا، وَأَخَصُّ أَصْحَابِهِ بِالتَّفْسِيرِ مُجَاهِدٌ وَعَلَى تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ يَعْتَمِدُ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ كَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْبُخَارِيِّ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: إِذَا جَاءَكَ التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُكَ بِهِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ أَكْثَرُ الَّذِي يَنْقُلُهُ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَكَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ يَعْتَمِدُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ لَا تَصِحُّ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: جَوَابُهُ أَنَّ تَفْسِيرَ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ

مِنْ أَصَحِّ التَّفَاسِيرِ، بَلْ لَيْسَ بِأَيْدِي أَهْلِ التَّفْسِيرِ كِتَابٌ فِي التَّفْسِيرِ أَصَحُّ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَظِيرَهُ فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ مَعَهُ مَا يُصَدِّقُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا، وَأَيْضًا فَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَدْ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ يُفَسِّرُ مَا تَشَابَهَ مِنَ الْقُرْآنِ كَمَا فَسَّرَ قَوْلَهُ: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا [١٩: ١٧] وَفَسَّرَ قَوْلَهُ: اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [٢٤: ٣٥] وَقَوْلَهُ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ [٧: ١٧٢] وَنَقْلُ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ عَنْهُ بِالْإِسْنَادِ أَثْبَتُ مِنْ نَقْلِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ لَهَا إِسْنَادٌ، وَقَدْ كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الْمُتَشَابِهِ مِنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ فَيُجِيبُ عَنْهُ كَمَا سَأَلَهُ عُمَرُ. وَسُئِلَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ (كَذَا) .

<<  <  ج: ص:  >  >>