للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَأَمَّا السُّكُوتُ) فَأَلَّا يَسْأَلَ عَنْ مَعْنَاهُ وَلَا يَخُوضَ فِيهِ وَيَعْلَمَ أَنَّ سُؤَالَهُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَأَنَّهُ فِي خَوْضِهِ فِيهِ مُخَاطِرٌ بِدِينِهِ. وَأَنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَكْفُرَ لَوْ خَاضَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ. (وَأَمَّا الْإِمْسَاكُ) فَأَلَّا يَتَصَرَّفَ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ بِالتَّصْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ بِلُغَةٍ أُخْرَى. وَالزِّيَادَةُ فِيهِ وَالنُّقْصَانُ مِنْهُ وَالْجَمْعُ وَالتَّفْرِيقُ، بَلْ لَا يَنْطِقُ إِلَّا بِذَلِكَ اللَّفْظِ وَعَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ مِنَ الْإِيرَادِ وَالْإِعْرَابِ وَالتَّصْرِيفِ وَالصِّيغَةِ. (وَأَمَّا الْكَفُّ) فَأَنْ يَكُفَّ بَاطِنَهُ عَنِ الْبَحْثِ عَنْهُ وَالتَّفَكُّرِ فِيهِ. (وَأَمَّا التَّسْلِيمُ لِأَهْلِهِ) فَأَلَّا يَعْتَقِدَ أَنَّ ذَلِكَ إِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ فَقَدْ خَفِيَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَوْ عَلَى الصِّدِّيقِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ، فَهَذِهِ سَبْعُ وَظَائِفَ اعْتَقَدَ كَافَّةُ السَّلَفِ وَجُوبَهَا عَلَى كُلِّ الْعَوَامِّ، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ بِالسَّلَفِ الْخِلَافُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، فَلْنَشْرَحْهَا وَظِيفَةً وَظِيفَةً إِنْ شَاءَ اللهُ - تَعَالَى -.

(الْوَظِيفَةُ الْأُولَى التَّقْدِيسُ) وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ إِذَا سَمِعَ الْيَدَ وَالْإِصْبَعَ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ اللهَ خَمَّرَ طِينَةَ آدَمَ بِيَدِهِ وَإِنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْيَدَ تُطْلَقُ لِمَعْنَيَيْنِ ; أَحَدُهُمَا: هُوَ الْوَضْعُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ عُضْوٌ مُرَكَّبٌ مِنْ لَحْمٍ وَعَظْمٍ وَعَصَبٍ، وَاللَّحْمُ وَالْعَظْمُ وَالْعَصَبُ جِسْمٌ مَخْصُوصٌ وَصِفَاتٌ مَخْصُوصَةٌ، أَعْنِي بِالْجِسْمِ عِبَارَةً عَنْ مِقْدَارٍ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ أَنْ يُوجَدَ بِحَيْثُ هُوَ إِلَّا بِأَنْ يَتَنَحَّى عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَقَدْ يُسْتَعَارُ هَذَا اللَّفْظُ أَعْنِي الْيَدَ لِمَعْنًى آخَرَ لَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِجِسْمٍ أَصْلًا، كَمَا يُقَالُ: الْبَلْدَةُ فِي يَدِ الْأَمِيرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ وَإِنْ كَانَ الْأَمِيرُ مَقْطُوعَ الْيَدِ مَثَلًا، فَعَلَى الْعَامِّيِّ وَغَيْرِ الْعَامِّيِّ أَنْ يَتَحَقَّقَ قَطْعًا وَيَقِينًا أَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ جِسْمًا هُوَ عُضْوٌ مُرَكَّبٌ مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَعَظْمٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ اللهِ - تَعَالَى - مُحَالٌ وَهُوَ عَنْهُ مُقَدَّسٌ، فَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ أَنَّ اللهَ جِسْمٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَعْضَاءٍ فَهُوَ عَابِدُ صَنَمٍ. فَإِنَّ كُلَّ جِسْمٍ فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَعِبَادَةُ الْمَخْلُوقِ كُفْرٌ، وَعِبَادَةُ الصَّنَمِ كَانَتْ كُفْرًا لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ وَكَانَ مَخْلُوقًا لِأَنَّهُ جِسْمٌ، فَمَنْ عَبَدَ جِسْمًا فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْهُمْ وَالْخَلْفِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْجِسْمُ كَثِيفًا كَالْجِبَالِ الصُّمِّ الصِّلَابِ، أَوْ لَطِيفًا كَالْهَوَاءِ وَالْمَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُظْلِمًا كَالْأَرْضِ أَوْ مُشْرِقًا كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ، أَوْ مُشِفًّا لَا لَوْنَ لَهُ كَالْهَوَاءِ، أَوْ عَظِيمًا كَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَالسَّمَاءِ، أَوْ صَغِيرًا كَالذَّرَّةِ وَالْهَبَاءِ أَوْ جَمَادًا كَالْحِجَارَةِ، أَوْ حَيَوَانًا كَالْإِنْسَانِ. فَالْجِسْمُ صَنَمٌ، فَبِأَنْ يُقَدَّرَ حُسْنُهُ وَجَمَالُهُ أَوْ عِظَمُهُ أَوْ صِغَرُهُ أَوْ صَلَابَتُهُ وَبَقَاؤُهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ صَنَمًا، وَمَنْ نَفَى الْجِسْمِيَّةَ عَنْهُ وَعَنْ يَدِهِ وَأُصْبُعِهِ فَقَدْ نَفَى الْعُضْوِيَّةَ وَاللَّحْمَ وَالْعَصَبَ، وَقَدَّسَ الرَّبَّ - جَلَّ جَلَالُهُ - عَمَّا يُوجِبُ الْحُدُوثَ لِيَعْتَقِدَ بَعْدَهُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا عَرَضٍ فِي جِسْمٍ يَلِيقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>