للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْعَجَمِيَّةِ كَذَلِكَ (أَمَّا الْأَوَّلُ) فَمِثَالُهُ لَفْظُ الِاسْتِوَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْفَارِسِيَّةِ لَفْظٌ مُطَابِقٌ يُؤَدِّي بَيْنَ الْفُرْسِ مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي يُؤَدِّيهِ لَفْظُ الِاسْتِوَاءِ بَيْنَ الْعَرَبِ بِحَيْثُ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى مَزِيدِ إِبْهَامٍ إِذْ فَارِسِيَّتُهُ أَنْ يُقَالَ: راست بايستاد، وَهَذَانَ لَفْظَانِ: (الْأَوَّلُ) يُنْبِئُ عَنِ انْتِصَابٍ وَاسْتِقَامَةٍ فِيمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْحَنِيَ وَيَعْوَجَّ (وَالثَّانِي) يُنْبِئُ عَنْ سُكُونٍ

وَثَبَاتٍ فِيمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَحَرَّكَ وَيَضْطَرِبَ، وَإِشْعَارُهُ بِهَذِهِ الْمَعَانِي وَإِشَارَتُهُ إِلَيْهَا فِي الْعَجَمِيَّةِ أَظْهَرُ مِنْ إِشْعَارِ لَفْظِ الِاسْتِوَاءِ وَإِشَارَتِهِ إِلَيْهَا، فَإِذَا تَفَاوَتَ فِي الدَّلَالَةِ وَالْإِشْعَارِ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِثْلَ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَبْدِيلُ اللَّفْظِ بِمِثْلِهِ الْمُرَادِفِ لَهُ الَّذِي لَا يُخَالِفُهُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلَّا بِمَا لَا يُبَايِنُهُ وَلَا يُخَالِفُهُ وَلَوْ بِأَدْنَى شَيْءٍ وَأَدَقِّهِ وَأَخْفَاهُ (مِثَالُ الثَّانِي) أَنَّ الْإِصْبَعَ يُسْتَعَارُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لِلنِّعْمَةِ، يُقَالُ: لِفُلَانٍ عِنْدِي إِصْبَعٌ: أَيْ نِعْمَةٌ، وَمَعْنَاهَا بِالْفَارِسِيَّةِ انكشت، وَمَا جَرَتْ عَادَةُ الْعَجَمِ بِهَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ، وَتَوَسُّعُ الْعَرَبِ فِي التَّجَوُّزِ وَالِاسْتِعَارَةِ أَكْثَرُ مِنْ تَوَسُّعِ الْعَجَمِ، بَلْ لَا نِسْبَةَ لِتَوَسُّعِ الْعَرَبِ إِلَى جُمُودِ الْعَجَمِ، فَإِذَا حَسُنَ إِيرَادُ الْمَعْنَى الْمُسْتَعَارِ لَهُ فِي الْعَرَبِ وَسَمِجَ ذَلِكَ فِي الْعَجَمِ نَفَرَ الْقَلْبُ عَمَّا سَمَجَ وَمَجَّهُ السَّمْعُ وَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِ، فَإِذَا تَفَاوَتَا لَمْ يَكُنِ التَّفْسِيرُ تَبْدِيلًا بِالْمِثْلِ بَلْ بِالْخِلَافِ، وَلَا يَجُوزُ التَّبْدِيلُ إِلَّا بِالْمِثْلِ (مِثَالُ الثَّالِثِ) الْعَيْنُ، فَإِنَّ مَنْ فَسَّرَهُ فَإِنَّمَا يُفَسِّرُهُ بِأَظْهَرِ مَعَانِيهِ فَيَقُولُ: هُوَ جِسْمٌ - وَهُوَ مُشْتَرَكٌ - فِي لُغَةِ الْعَرَبِ بَيْنَ الْعُضْوِ الْبَاصِرِ وَبَيْنَ الْمَاءِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلَفْظِ جِسْمٌ - وَهُوَ مُشْتَرَكٌ - هَذَا الِاشْتِرَاكُ وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْجَنْبِ وَالْوَجْهِ يَقْرُبُ مِنْهُ، فَلِأَجْلِ هَذَا نَرَى الْمَنْعَ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالِاقْتِصَارَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّفَاوُتُ إِنِ ادَّعَيْتُمُوهُ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِكَ خُبْزٌ وَنَانٌ، وَبَيْنَ قَوْلِكَ لَحْمٌ وَكوشت، وَإِنِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْبَعْضِ فَامْنَعْ مِنَ التَّبْدِيلِ عِنْدَ التَّفَاوُتِ لَا عِنْدَ التَّمَاثُلِ، فَالْجَوَابُ الْحَقُّ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْبَعْضِ لَا فِي الْكُلِّ، فَلَعَلَّ لَفْظَ الْيَدِ وَلَفْظَ دست يَتَسَاوَيَانِ فِي اللُّغَتَيْنِ وَفِي الِاشْتِرَاكِ وَالِاسْتِعَارَةِ وَسَائِرِ الْأُمُورِ، وَلَكِنْ إِذَا انْقَسَمَ إِلَى مَا يَجُوزُ وَإِلَى مَا لَا يَجُوزُ - وَلَيْسَ إِدْرَاكُ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا وَالْوُقُوفُ عَلَى دَقَائِقِ التَّفَاوُتِ جَلِيًّا سَهْلًا يَسِيرًا عَلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ، بَلْ يَكْثُرُ فِيهِ الْإِشْكَالُ وَلَا يَتَمَيَّزُ مَحَلُّ التَّفَاوُتِ عَنْ مَحَلِّ التَّعَادُلِ - فَنَحْنُ بَيْنَ أَنْ نَحْسِمَ الْبَابَ احْتِيَاطًا إِذْ لَا حَاجَةَ وَلَا ضَرُورَةَ إِلَى التَّبْدِيلِ وَبَيْنَ أَنْ نَفْتَحَ الْبَابَ وَنُقْحِمَ عُمُومَ الْخَلْقَ وَرْطَةَ الْخَطَرِ، فَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَحْزَمُ وَأَحْوَطُ، وَالْمَنْظُورُ فِيهِ ذَاتُ الْإِلَهِ وَصِفَاتُهُ؟ وَمَا عِنْدِي أَنَّ عَاقِلًا مُتَدَيِّنًا لَا يُقِرُّ بِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ مُخْطِرٌ، فَإِنَّ الْخَطَرَ فِي الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ، كَيْفَ وَقَدْ أَوْجَبَ الشَّرْعُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ الْعِدَّةَ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَلِلْحَذَرِ مِنْ خَلْطِ الْأَنْسَابِ احْتِيَاطًا لِحُكْمِ

الْوِلَايَةِ وَالْوِرَاثَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى النَّسَبِ، فَقَالُوا مَعَ ذَلِكَ تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَى الْعَقِيمِ وَالْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَعِنْدَ الْعَزْلِ ; لِأَنَّ بَاطِنَ الْأَرْحَامِ إِنَّمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ عَلَّامُ الْغُيُوبِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ، فَلَوْ فَتَحْنَا بَابَ النَّظَرِ إِلَى التَّفْصِيلِ كُنَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>