للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَرَفُوا أَنَّ الِاسْتِضْرَارَ بِالْخَوْضِ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ الِانْتِفَاعِ، وَلَوْلَا أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ حَذَّرُوا مِنْ ذَلِكَ وَفَهِمُوا تَحْرِيمَ الْخَوْضِ لَخَاضُوا فِيهِ.

(وَالْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّهُمْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى مُحَاجَّةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَى إِثْبَاتِ الْبَعْثِ مَعَ مُنْكِرِيهِ، ثُمَّ مَا زَادُوا فِي هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الَّتِي هِيَ أُمَّهَاتُ الْعَقَائِدِ عَلَى أَدِلَّةِ الْقُرْآنِ، فَمَنْ أَقْنَعَهُ ذَلِكَ قَبِلُوهُ وَمَنْ لَمْ يُقْنَعْ قَتَلُوهُ، وَعَدَلُوا إِلَى السَّيْفِ وَالسِّنَانِ بَعْدَ إِفْشَاءِ أَدِلَّةِ الْقُرْآنِ وَمَا رَكِبُوا ظَهْرَ اللَّجَاجِ فِي وَضْعِ الْمَقَايِيسِ الْعَقْلِيَّةِ وَتَرْتِيبِ الْمُقَدِّمَاتِ وَتَحْرِيرِ طَرِيقِ الْمُجَادَلَةِ، وَتَذْلِيلِ طُرُقِهَا وَمِنْهَاجِهَا، كُلُّ ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مَثَارُ الْفِتَنِ وَمَنْبَعُ التَّشْوِيشِ، وَمَنْ لَا يُقْنِعْهُ أَدِلَّةُ الْقُرْآنِ لَا يَقْمَعُهُ إِلَّا السَّيْفُ وَالسِّنَانُ، فَمَا بَعْدَ بَيَانِ اللهِ بَيَانٌ، عَلَى أَنَّنَا نُنْصِفُ وَلَا نُنْكِرُ أَنَّ حَاجَةَ الْمُعَالَجَةِ تَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْمَرَضِ، وَأَنَّ لِطُولِ الزَّمَانِ وَبَعْدَ الْعَهْدِ عَنْ عَصْرِ النُّبُوَّةِ تَأْثِيرًا فِي إِثَارَةِ الْإِشْكَالَاتِ، وَأَنَّ لِلْعِلَاجِ طَرِيقَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) : الْخَوْضُ فِي الْبَيَانِ وَالْبُرْهَانِ إِلَى أَنْ يَصْلُحَ وَاحِدٌ يَفْسُدُ بِهِ اثْنَانِ، فَإِنَّ صَلَاحَهُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَكْيَاسِ وَفَسَادَهُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْبُلْهِ، وَمَا أَقَلَّ الْأَكْيَاسَ وَمَا أَكْثَرَ الْبُلْهَ وَالْعِنَايَةُ بِالْأَكْثَرِينَ أَوْلَى.

(وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) : طَرِيقُ السَّلَفِ فِي الْكَفِّ وَالسُّكُوتِ وَالْعُدُولِ إِلَى الدِّرَّةِ وَالسَّوْطِ وَالسَّيْفِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُقْنِعُ الْأَكْثَرِينَ وَإِنْ كَانَ لَا يُقْنِعُ الْأَقَلِّينَ، وَآيَةُ إِقْنَاعِهِ أَنَّ مَنْ يُسْتَرَقُّ مِنَ الْكُفَّارِ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ تَرَاهُمْ يُسْلِمُونَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ، ثُمَّ يَسْتَمِرُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ طَوْعًا مَا كَانَ فِي الْبِدَايَةِ كُرْهًا، وَيَصِيرَ

اعْتِقَادُهُ جَزْمًا مَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ مِرَاءً وَشَكًّا، وَذَلِكَ بِمُشَاهَدَةِ أَهْلِ الدِّينِ وَالْمُؤَانَسَةِ بِهِمْ وَسَمَاعِ كَلَامِ اللهِ وَرُؤْيَةِ الصَّالِحِينَ وَخَبَرِهِمْ وَقَرَائِنَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ تُنَاسِبُ طِبَاعَهُمْ مُنَاسَبَةً أَشَدَّ مِنْ مُنَاسَبَةِ الْجَدَلِ وَالدَّلِيلِ ; فَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِلَاجَيْنِ يُنَاسِبُ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ وَجَبَ تَرْجِيحُ الْأَنْفَعِ فِي الْأَكْثَرِ، فَالْمُعَاصِرُونَ لِلطَّبِيبِ الْأَوَّلِ الْمُؤَيَّدِ بِرُوحِ الْقُدُسِ الْمُكَاشَفِ مِنَ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ الْمُوحَى إِلَيْهِ مِنَ الْخَبِيرِ الْبَصِيرِ بِأَسْرَارِ عِبَادِهِ وَبَوَاطِنِهِمْ أَعْرَفُ بِالْأَصْوَبِ وَالْأَصْلَحِ قَطْعًا، فَسُلُوكُ سَبِيلِهِمْ لَا مَحَالَةَ أَوْلَى.

(الْوَظِيفَةُ السَّابِعَةُ التَّسْلِيمُ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ) : وَبَيَانُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ مَا انْطَوَى عَنْهُ مِنْ مَعَانِي هَذِهِ الظَّوَاهِرِ وَأَسْرَارِهَا لَيْسَ مُنْطَوِيًا عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنِ الصِّدِّيقِ وَعَنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَعَنِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا انْطَوَى عَنْهُ لِعَجْزِهِ وَقُصُورِ مَعْرِفَتِهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِيسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>