تَعَالَى -: يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ [٥: ١٦] وَكَسْرُهَا وَهِيَ قِرَاءَةُ الْبَاقِينَ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ الْآيَةَ. بَيَانٌ وَتَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ وَبَدَأَهُ بِالِاسْتِفْهَامِ لِأَجْلِ تَوْجِيهِ النُّفُوسِ إِلَى الْجَوَابِ وَتَشْوِيقِهَا إِلَيْهِ، وَالتَّنْبِئَةُ بِالشَّيْءِ: التَّخْبِيرُ بِهِ كَالْإِنْبَاءِ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ، وَقَالَ فِي الْكُلِّيَّاتِ: " النَّبَأُ وَالْإِنْبَاءُ لَمْ يَرِدَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا لِمَا لَهُ وَقْعٌ وَشَأْنٌ عَظِيمٌ " وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّعْبِيرُ
بِمَادَّةِ النَّبَأِ تَشْوِيقًا آخَرَ. وَقَوْلُهُ: (لَكُمْ) إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَسَائِرِ الشَّهَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَكَوْنُ مَا سَيَأْتِي فِي جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ خَيْرًا مِنْ تِلْكَ الشَّهَوَاتِ يُشْعِرُ بِأَنَّ تِلْكَ الشَّهَوَاتِ خَيْرٌ فِي نَفْسِهَا أَوْ لَيْسَتْ بِشَرٍّ، وَالصَّوَابُ أَنَّهَا خَيْرٌ وَمِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ - تَعَالَى - عَلَى النَّاسِ، وَإِنَّمَا يَعْرِضُ الشَّرُّ فِيهَا كَمَا يَعْرِضُ فِي سَائِرِ نِعَمِهِ - تَعَالَى - عَلَى النَّاسِ فِي أَنْفُسِهِمْ كَحَوَاسِّهِمْ وَعُقُولِهِمْ وَفِي غَيْرِهَا حَتَّى فِي الشَّرِيعَةِ. فَالَّذِي يُسْرِفُ فِي حُبِّ النِّسَاءِ حَتَّى يُعْطِيَ امْرَأَةً أَوْ وَلَدَهَا حَقَّ غَيْرِهِمَا أَوْ يُهْمِلَ لِأَجْلِهَا تَرْبِيَةَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ يَتْرُكَ حَقَّ اللهِ وَطَاعَتَهُ تَقَرُّبًا إِلَيْهَا أَوْ يَعْتَدِيَ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يُحِبَّ امْرَأَةَ غَيْرِهِ، هُوَ كَمَنْ يَسْتَعْمِلُ عَقْلَهُ فِي اسْتِنْبَاطِ الْحِيَلِ لِهَضْمِ حُقُوقِ النَّاسِ وَإِيذَائِهِمْ، أَوْ يَحْتَالُ فِي نُصُوصِ الشَّرِيعَةِ وَيُئَوِّلُهَا حَتَّى يُفَوِّتَ الْغَرَضَ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَتُتْرَكَ الْفَرَائِضُ وَتُهْدَمَ الْأَرْكَانُ، فَسُوءُ سُلُوكِ النَّاسِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالنِّعَمِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّعَمَ شَرٌّ فِي ذَاتِهَا وَلَا كَوْنِ حُبِّهَا شَرًّا مَعَ الْقَصْدِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ وَالْفِطْرَةِ فِي ذَلِكَ.
أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الِاسْتِفْهَامِ فَهُوَ قَوْلُهُ: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ جَعَلَ مَا أَعَدَّهُ لِلْمُتَّقِينَ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى التَّقْوَى نَوْعَيْنِ: نَوْعًا جُسْمَانِيًّا نَفْسِيًّا وَهُوَ الْجَنَّاتُ وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرَاتِ، وَالْأَزْوَاجِ الْمُطَهَّرَاتِ مِمَّا يُعْهَدُ فِي نِسَاءِ الدُّنْيَا مِنَ الشَّوَائِبِ، وَنَوْعًا رُوحَانِيًّا عَقْلِيًّا وَهُوَ رِضْوَانُ اللهِ - تَعَالَى - وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ التَّقْوَى وَالْجَنَّاتِ وَالْأَزْوَاجِ الْمُطَهَّرَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ - وَلَا يَخْفَى مَا فِي إِضَافَةِ لَفْظِ " رَبِّ " إِلَى ضَمِيرِ الْمُتَّقِينَ مِنَ الْإِشْعَارِ بِفَضْلِهِمْ وَعِنَايَةِ مَنْ رَبَّاهُمْ بِعِنَايَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ بِشَأْنِهِمْ، وَأَمَّا الرِّضْوَانُ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الرِّضَا مَعَ مَا فِي زِيَادَةِ الْمَبْنَى مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَعْنَى فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَرِضْوَانٌ عَظِيمٌ مِنَ اللهِ لَا يَشُوبُهُ وَلَا يَعْقُبُهُ سُخْطٌ، وَفِي سُورَةِ التَّوْبَةِ: وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [٩: ٧٢] وَفِي هَذَا مِنْ تَفْضِيلِ الرِّضْوَانِ عَلَى نَعِيمِ الْجَنَّاتِ وَمَا فِيهَا مَا لَا غَايَةَ وَرَاءَهُ وَفِي سُورَةِ الْحَدِيدِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute