كتبُ المذهب المالكي التي توالت حتى القرن التاسع، من كتب اللخمي والمازري وعياض في الخامس والسادس، وابن الحاجب والقرافي في السابع، وابن عرفة وخليل وابن عاصم في الثامن، وابن ناجي في التاسع.
وإلى جنب هذه الطريقة التي تأصلت ورسخت منذ القرن الرابع، نشأت طريقةٌ أخرى ظهر بها ابن أبي زمنين في الأندلس في كتابه "المنتخب". وهي طريقة التأليف في الأحكام، وإجراءات النوازل، وتحقيق النكت المتعلقة بالأحكام والوثائق والعقود، فزادت في توسيع المعاثي الفقهية من حيث تطبيقها على الحياة العملية، وأحكمت الربط بين الأعراف الجارية في العوائد وفي الأوضاع التجارية والفلاحية والصناعية، وبين مقتضيات الحكم الشرعي في إجراء النوازل.
واستفاد هذا البابُ سعةً زائدة مما في أصل المذهب المالكي من أعمال الخط وقبول الاحتجاج بالشهادة المودعة بالكتابة قبل نشر القضية، بين يدي غير القاضي، وهي "وثيقة الاسترعاء". فتتابع على التأليف في هذه الناحية وتفصيل مسائلها ونظرياتها بعد ابن أبي زمنين: ابن فتوح في القرن الخامس فألف "الوثائق المجموعة"، والمتيطي في القرن السادس فألف "النهاية والتمام في مسائل الأحكام" وتعرف بالمتيطية، والجزيري في القرن السادس أيضًا فألف "المقصد المحمود في أحكام الوثائق والعقود" اختصر فيه وثائق ابن فتوح، وابن هشام في أواخر السادس وأوائل السابع فألف كتاب "مفيد الأحكام"، وابن عات (١) في أوائل السابع كذلك فألف طررًا على وثائق ابن فتوح. وهؤلاء كلهم أندلسيون، وكتبُهم كلُّها توجد محفوظةً بتونس وغيرها.
(١) هو أبو عمر أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر بن عات النفزي الشاطبي، ولد سنة ٥٤٢. سمع أباه العلامة أبا محمد، وأبا الحسن بن هذيل، والحافظ عليم بن عبد العزيز، والحافظ أبا طاهر السِّلفي بالثغر، وأبا الطاهر بن عوف، وعاشر بن محمد، وعدة. وكان من بقايا الحفاظ المكثرين. كان الحافظ علي بن المفضل يذكره بكثرة الحفظ والميل إلى تحصيل المعارف. كان أحد الحفاظ، يسرد المتون، ويحفظ الأسانيد عن ظهر قلب، لا يخل منها بشيء، موصوفًا بالدراية والرواية, غالبًا عليه الورع والزهد، يلبس الخشن. له تصانيف دالة على سعة حفظه، مع حظ من النظم والنثر. استشهد في وقعة العقاب في صفر سنة ٦٠٩ هـ - المحقق.