للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجيء ذلك من لغتين، أو لحذف واختصار وقع في الكلام، حتى اشتبه اللفظان، وخفي ذلك عن السامع فتأول فيه الخطأ (١).

وهذا هو القولُ الفصل؛ وذلك أن مِمَّا يجب التيقُّظُ له أننا حين نذكر وضعًا لغويًّا وواضعًا لسنا نريد بذلك أن شخصًا أو جماعةً تصدَّوْا لوضع اللغة، فانتصبوا لذلك في أيامٍ أو ساعاتٍ يُرَكِّبون الحروف، ويصوغون الكلمات، ثم يلقنونها الأقوامَ الحافّين بهم؛ لأن هذا أمرٌ يحتاج إلى نُظم وتواطؤ، ولم يكن في أحوال الأمم السابقة ما يسمح بتكوين هذه الفكرة.

وإنما نريد من الواضع مجموعَ الفصحاء في عصور مختلفة وقبائل متعددة من خطبائها وشعرائها وحكمائها، الذين لم يزالوا يُهذِّبون مفرداتِ كلامهم وصيغَ تراكيبه، ليأتوا بالأحسن فالأحسن في أذواقهم، ويودعوه هم خطبَهم وأشعارهم، فيتلقفه عنهم


(١) ساق المصنف كلامَ ابن درستويه بتصرف، ولفظُه: "وإنما اللغةُ موضوعةٌ للإبانة عن المعاني، فلو جاز وضعُ لفظٍ واحد للدلالة على معنيين مختلفين، أو أحدهما ضدٌّ للآخر، لمَا كان ذلك إبانةً بل تعمية وتغطية. ولكن قد يجيء النادرُ من هذا لعلل، كما يجيء فعل وأفعل، فيتوهم مَنْ لا يعرف العللَ أنهما لمعنيين مختلفين، وإن اتفق اللفظان. والسماعُ في ذلك صحيحٌ من العرب، فالتأويلُ عليهم خطأ، وإنما يجيء ذلك في لغتين مختلفتين، أو لحذف أو اختصار وقع في الكلام، وخفيَ سببُ ذلك على السامع، فتأوَّل فيه الخطأ". وقال قبيل هذا: "ولا يكون فعل وأفعل بمعنى واحد، كما لم يكونا علي بناء واحد، إلا أن يجيء ذلك في لغتين مختلفتين. فأما من لغة واحدة، فمحالٌ أن يختلف اللفظان والمعنى واحد، كما يظن كثيرٌ من النحويين واللغويين". ثم أضاف: "وليس يجيء شيء من هذا الباب إلا على لغتين متباينتين كما بينا، أو يكون على معنيين مختلفين، أو تشبيه شيء بشيء، على ما شرحناه في كتابنا الذي ألفناه في افتراق معنى فعل وأفعل". ابن درستويه: تصحيح الفصيح وشرحه، تحقيق محمد بدوي المختون ومراجعة رمضان عبد التواب (القاهرة: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ١٤١٩/ ١٩٩٨)، ص ٧٠ - ٧١. وانظر كذلك السيوطي: المزهر، ج ١، ص ٣٠٢ - ٣٠٣. وقال ابن درستويه في آخر الباب التاسع من الكتاب نفسه (ص ١٨٥): "النوء: الارتفاع بمشقة وثقل، ومنه قيل للكوكب: قَدْ ناء، إذا طلع. وزعم قوم من اللغويين أن النوء السقوط أيضًا، وأنه من الأضداد. وقد أوضحنا الحجة عليهم في ذلك في كتابنا في إبطال الأضداد".

<<  <  ج: ص:  >  >>