للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فزعم مَنْ لم يعرفْ أصلَ الكلمة أن في البيت تحريفًا وأن صوابَه الفُل، والأعشى تنقَّل في القبائل وعرف مختلف اللغات. ومثل السَّري فهو الشريف بلغة العرب، وهو أيضًا النهر معرب من السريانية. قال تعالى: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤)} [مريم: ٢٤] , فاختلف المفسرون: هل أريد به النهر مثلما خلق لها الرطب، أو أريد به الابنُ الذي ولدته؟ وكذلك الشطرُ هو النصف عربي، والشطر بمعنى الجهة حبشي دخل في لغة العرب، قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] (١).

السبب الثاني: الاشتراك العارض من المجاز الذي يكثر في كلامهم حتى يساويَ الحقيقةَ أو يقاربها. وهذا أوسعُ مداخلِ الاشتراك إلى كلام العرب، وأمثلتُه كثيرة، منها: عضّه الكلب، وعضّه الدهر. ومنه البعل: السيد، ثم صار للزوج، ثم صار بمعنى الذكر، فسمّي به النبتُ الذي لا يسقى.

وقد رأيتُ أحسنَ ما يُؤْذِنُ بنشأة الاشتراك عن هذا السبب ما رُوِيَ في الصحيح أن عبد الله بن مسعود قال: "كنا إذا صلينا خلف رسول - صلى الله عليه وسلم - قلنا: السلام


= الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين: كتاب الأغاني (القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، بدون تاريخ)، ج ١١, ص ٣٨٠؛ الأغاني، تحقيق قصي الحسين (بيروت: دار ومكتبة الهلال، ط ١، ١٤٢٢/ ٢٠٠٢)، ج ٤/ ١١, ص ٤٧٨. وفيما اطلعت عليه من نشرات ديوان الأعشى جاء البيت محل الشاهد بلفظ "الورد" بدل "الجل". ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس، تحقيق محمد محمد حسين (القاهرة: المطبعة النموذجية، ١٩٥٠)، ص ١٧٣؛ ديوان الأعشى، تحقيق فوزي عطوي (بيروت: دار صعب، ١٩٨٠)، ص ٨١؛ وكذلك ديوان الأعشى، تحقيق لجنة بإشراف كامل سليمان (بيروت: دار الكتاب اللبناني، ط ١، بدون تاريخ)، ص ٢٦.
(١) السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، ج ١، ص ٤٠٠ - ٤٠١. وذكر المبرد أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن ذلك في الآية المذكورة فقال: "هو الجدول، فسأله عن الشواهد، فأنشده:
سلمًا ترى الدالج منها أزْوَرَا ... إذا يَعجُّ في السري هرهرا"
المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد: الكامل في اللغة والأدب، تحقيق عبد الحميد هنداوي (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٤/ ٢٠٠٣)، ج ٢، ص ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>