للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان في قوله: "ليس لي عقل" معرِّضًا نفسَه لأن يقول له قائل: نعم! ليس لك عقل، أو يوقعه بمرمى التكفير، كما وقع لأبي الطيب في قوله:

يَتَرَشَّفْنَ مِنْ فَمِي رَشَفَاتٍ ... هُنَّ أَحْلَى عِنْدِي مِنَ التَّوْحِيدِ (١)

فرماه أعداؤه بالزندقة، وقالوا: إنه فضَّل رشفات الثغور على توحيد الله، وحملهم على ذلك الجهلُ والحسد.

٧ - ومنها اختلاف الفقهاء في كثير من الأحكام اختلافًا ناشئًا عن الاشتراك كالاختلاف في قدر عدة المطلقة، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨]. وقد عدّ أبو محمد ابن السِّيد البَطَلْيوسي (٢) في كتابه "الإنصاف" المشتركَ من أسباب إثارة الخلاف بين فقهاء الإسلام (٣).


(١) البيت مما قاله المتنبي في صباه، وجاء في المطبوع بشرح البرقوقي:
يَتَرَشَّفْنَ مِنْ فَمِي رَشَفَاتٍ ... هُنَّ فِيهِ أَحْلَى مِنَ التَّوْحِيدِ
وفي شرحه قال البرقوقي: "قال ابن جني: يُروى أن المتنبي أنشده هكذا: هن فيه حلاوة التوحيد. وقالوا - للتخلص من هذه المبالغات المفرطة - إن التوحيد نوعٌ من ثمر العراق. والوجه أن يُقال إن مثل هذه المبالغات مقبولٌ مستساغ في مذاهب الشعراء؛ على أن أفعل لا يُراد به تفضيلُ الأول على الثاني في كل المواضع. وهنا مثلًا قد يراد أن هذا الترشف بلغ المبالغ في الحلاوة حتى ليشبه حلاوة كلمة التوحيد". البرقوقي، عبد الرحمن: شرح ديوان المتنبي (بيروت: دار الكتاب العربي، ١٤٠٧/ ١٩٨٦)، ج ٢، ص ٤٠. ومن قبله قال الواحدي: "ويروى أحلى من التأييد، يقال: رشفت الريق وترشفته إذا مصصته. يقول: كن يمصصن ريقي لحبهن إياي، كانت تلك الرشفات أحلى في فمي من كلمة التوحيد، وهي لا إله إلا الله، وهذا إفراطٌ وتجاوزُ حدٍّ". الواحدي، علي بن أحمد بن محمد بن متويه أبو الحسن: شرح ديوان المتنبي، مخطوط بخط أحمد بن محب الدين الحنفي (فرغ من نسخها في ذي الحجة سنة ١٠٥٦ هـ)، ورقة ٢٤.
(٢) هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن السِّيد (بكسر السين) البَطَلْيُوسي (بفتح الباء والطاء وسكون اللام) من بَطَلْيُوس، مدينة بشرق الأندلس. تُوفِّي سنة ٥٢١ هـ في بلنسية. - المصنف.
(٣) ابن السِّيد البَطَلْيُوسي، أبو محمد عبد الله بن محمد: الإنصاف في التنبيه على المعاني والأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم، تحقيق محمد رضوان الداية (دمشق: دار الفكر، ١٤٠٣/ ١٩٨٣)، ص ٣٥ - ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>