للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَنْواءُ في حُرَّتَيها لِلْبَصِيرِ بِهَا ... عِتْقٌ مُبِينٌ وَفِي الخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ

قال رسول الله للحاضرين: "ما حُرَّتاها؟ "، فقال بعضُهم: عيناها، وسكت بعضُهم، فقال رسول الله: "هما أذناها"". (١) فسؤال الرسول للحاضرين، وعدم اهتداء العرب الحاضرين لمراد الشاعر من إطلاق لفظ الحرتين على الأذنين، دليلٌ على أنه إطلاقٌ لم يكن معروفًا للعرب من قبل، وأن الشاعر أراد بالحُرتين علامةَ الحرية، أي علامة النجابة؛ لأن العرب تطلق وصفَ الحر من كل شيء على مستكمل أوصاف الكمال فيه، وأن الرسول - عليه السلام - علم مرادَ الشاعر من فرط فطنته، إذ كان لا يصلح من شِيَّات الإبل أن يكون دالًّا على النجابة إلا الأذنان.

وقريبٌ من مثالنا هذا ما قاله علماءُ العربية من أن أميةَ بن أبي الصَّلْت [كان] ينطق بكلماتٍ لا يعرفُها العرب ثم تشيع، كقوله: "قَمَرٌ وَسَاهُورٌ يُسَلُّ ويُغْمَدُ"، أراد بالساهور الظلمةَ البادية مع الهلال من بقية كرة القمر، وقوله أيضًا: "هُوَ السَّلْطيطُ فَوْقَ الأَرْض مُقْتَدِرُ" (٢)، أراد به الله تعالى، حتى توهم بعضُهم أنها كلماتٌ جاءت من العبرية؛ لأنه كان مِمَّنْ تَحنَّث في الجاهلية وقرأ في كتب اليهود (٣).


(١) سبق توثيقُ هذه الحكاية والتعليقُ عليها في مقال "مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" من القسم الثاني. ولكني لم أعثر على هذا الخبر فيما اطلعت عليه من كتب أبي هلال العسكري.
(٢) كذا قال الأصفهاني، وذكر شطريْ البيتين، ثم قال: "وقال ابن قتيبة: وعلماؤنا لا يحتجون بشيء من شعره لهذه العلة"، أي بسبب إتيانه بألفاظٍ لا تعرفها العرب. كتاب الأغاني (نشرة القاهرة)، ج ٣، ص ١٢٢؛ الأغاني (نشرة الحسين)، ج ٢/ ٤، ص ٩٢. وتمام البيت الأول:
لَا نَقْصَ فيه غَيْرَ أَنَّ خَبيئَه ... قَمَرٌ وَسَاهُورٌ يُسَلُّ ويُغْمَدُ
وهو من قصيدة طويلة من البحر الكامل. أما البيت الثاني فمن قصيدة من البحر البسيط، وتمامه:
إن الأَنَامَ رَعَايَا الله كُلَّهُمُ ... هُوَ السَّلْطِيطُ فَوْقَ الأَرْضِ مُقْتَدرُ
ديوان أمية بن أبي الصلت، ص ٤٩ و ٨٠ (نشرة الجبيلي)؛ ص ٣٠ و ٤٠ (نشرة سيف الدين وأحمد الكاتب، وفيها "مستطر" بدل "مقتدر"). ونلاحظ هنا أن هناك فرقًا كبيرًا بين النشرتين من حيث عدد الأبيات التي تشتمل عليها القصيدة المذكورة.
(٣) كتاب الأغاني (نشرة القاهرة)، ج ٣، ص ١٢٢؛ الأغاني (نشرة الحسين)، ج ٢/ ٤، ص ٩٢. وانظر بحثًا ممتعًا في المضمون الديني لشعر أميَّة في: سلمان، ختام سعيد: "مرجعيات القصص الديني في =

<<  <  ج: ص:  >  >>