للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتفق جمهورُ علماء الأنساب على أن السيد الحسن العسكري ليس له ولد. ومن اللطائف في هذا المقام، الجارية مجرى الإفحام، ما وقع لأبي الفتح المقدسي الشافعي (١) مع أحد رؤساء الشيعة الإمامية؛ فإن الشيعي أخذ يشكو فسادَ الخلق وأن الأمر لا يصلح إلا بخروج المهدي المنتظر. فقال له المقدسي: هل لخروجه ميقات معلوم؟ قال الشيعي: نعم، له ميقات معلوم. قال المقدسي: متى يكون؟ قال الشيعي: إذا فسد الخلق كلُّهم. قال المقدسي: فلماذا تكونون سببًا في حرمان الأمة من خروجه، قد فسد جميعُ الناس إلا إياكم، فلو فسدتم واتبعتم مذهبَنا لخرج المهديُّ للناس. فلماذا لا تطلقوه من سجنه؟ فأُفْحِم الشيعي. (٢)

تلقف السامعون قصةَ الإمام المنتظر، فرام كلُّ قائمٍ بدولة أن يدخل تحت مظلتها، ويجعل أخبارَها مطابقة لنزعته. فإن هو روج ذلك بين طوائف من الناس، قلب تلك المظلةَ راية، مبرزًا للناس نحلته، ومؤيدًا رأيه. وقد قلت آنفًا: إن من شأن الذين يصنعون أخبار المهدي أن يدسُّوا فيها ذكرَ أماراتٍ تناسب حالَهم، أو صفاتِهم، أو أسماءهم، أو مواطنَهم.

وربما ارتقوا إلى التصريح بأسماء بعض دعاتهم، فإن أعوزهم ذلك جعلوا للداعي لقبًا يناسب انطباقَ ما سبق من مرويِّ الأخبار إن كانت الأخبارُ سابقةً لوقت ظهورهم. فقد صنع أصحابُ الدعوة الهاشمية في خراسان حديثًا عن ابن مسعود قال: "بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله، إذ أقبل فتيةٌ من بني هاشم، فلما رآهم رسولُ الله ذرفت عيناه وتغير لونُه. قال: فقلت: ما لنا نرى في وجهك شيئًا نكرهه؟ فقال: إنا أهلَ البيت اختار الله لنا الآخرةَ على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون


(١) هو نصر بن إبراهيم النابلسي المقدسي، إمام الشافعية في عصره، وصاحب التصانيف القيمة. توفِّيَ سنة ٤٩٠ هـ. - المصنف.
(٢) أورد هذه الحكاية الشاطبي، ولم أجدها فيما اطلعت عليه من مصنفات ابن العربي، بما في ذلك أحكام القرآن، وقانون التأويل، والعواصم من القواصم. فانظرها في الشاطبي: الاعتصام، ج ١، ص ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>