السبب السادس: كثرة المجاز في كلام شعراء العرب حتى يشيع شيوعًا يقربه من الحقيقة فتحدث بسبب ذلك ألفاظ مرادفة في المعنى المراد للألفاظ الحقيقية، وينسى منها اعتبار العلاقة التي أوجبت المجاز بها، فالمجاز مفتاح باب المترادف.
فإن الشاعر يطلق لفظ معنى على معنى آخر على طريقة المجاز والمرسل والاستعارة، فيعجب السامعين فينطقون به لظرافته، حتى إذا شاع صار لفظًا جديدًا يعبر عن المعنى المقصود. ومثال هذا إطلاقُ لفظ البكر على السحابة، وإطلاق لفظ الحرة على كثيرة الماء في قول عنترة:
فإنك لا تشك أن كلا اللفظين على سبيل المجاز بالاستعارة؛ لأن البكر حسنة المنظر والحرة كثيرة الولادة؛ لأنهم كانوا يتجنبون استيلاد الإماء. وقد أطلق كعب بن زهير - كما تقدم - لفظ الحرة على أذن الناقة في قوله:
قَنْواءُ في حُرَّتَيها للبَصير بها ... عِتقٌ مبِينٌ وفي الخَدَّينِ تسهيلُ
السبب السابع: التوسع في الاستعمال ثم اشتهاره. من ذلك إطلاق الوصف المشهور بدون ذكر الموصوف، نحو إطلاق المدام والمدامة على الخمر؛ لأن أصل المدام أنه وصف، أي الذي أديم في الدن حتى تعتق، ثم شاعت حتى صارت اسْمًا من أسماء الخمر. ومن ذلك إطلاقُ اسم الشيء على ما يشتمل على معناه، مثل المنحة هي في الأصل الناقة أو الشاة يعطيها الموسرُ من أصحاب الأنعام للفقير يشرب لبنها ثم يردها، فكثر استعمالُها حتى صارت المنحةُ بمعنى مطلق العطية. قال ذلك أبو عبيدة في تفسير قول النابغة: