للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن جني، فنبهوا على أغلاط كثيرة. من ذلك قصةُ أبي علي الفارسي مع ابن خالويه في أسماء السيف.

ولذا ألَّف الأئمةُ وبوبوا أبوابًا للفروق بين الكلمات المتقاربة المعاني، كما فعل ابن قتيبة في "أدب الكاتب" (١)، وأبوابًا لإيضاح الألفاظ الدالة على معان كلية يقع اللفظُ منها على جزئياتِ المعنى الكلي بسبب كونها جزئيات معنى واحد لا بسبب الترادف، كما فعل أبو منصور الثعالبي في مقدمة "فقه اللغة" (٢).

والواجبُ على الساعين في تجديد شباب العربية، وانتشالها من وصمة عدم الانضباط، أن يجدوا وسائلَ لبيان جميع الفروق في اللغة، حتى لا يبقوا من المترادف إلا ما هو مترادفٌ بلا شبهة. وكذلك يجب على الذين يتهمَّمُون بإتقان علم اللغة، ويتنافسون في التحلي بحلية الكتَّاب والبلغاء، أن يتوخوا جهدهم مطابقةَ الألفاظ لأكمل معانيها الموضوعة لها في اللغة.

وسأمثل لك مثالًا يكون لك في نسيج هذا النمط منوالًا: تجد في العربية كلمةَ "غير"، وكلمة "دون"، تجدهما لفظين ملازمين للإضافة دالَّيْن على معنى كالواحد، وهو الشيء الذي لا يلاقي ما تُضافان إليه، فيُخَيَّل إليك صحةُ استعمال أحدهما في مكان الآخر عند التعبير على مغايرة شيء لآخر.

وربما جرَّأك على ذلك وجدانُك كثيرًا من المتكلمين يُطلقون أحدَهُما في مكان الآخر، إلا أنك إذا رجعتَ إلى أصل الوضع فوجدتَ "غير" اسمًا دالًّا على إثبات المغايرة، ووجدتَ "دون" ظرفًا دالًّا على مكانٍ ناء عن المضاف إليه، خالَجَك الظنُّ


(١) الدينوري: أدب الكاتب، ص ٩٧ - ١٣٨.
(٢) الثعالبي، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل: فقه اللغة، تحقيق عمر الطباع (بيروت: شركة دار الأرقم، ط ١، ١٤٢٠/ ١٩٩٩)، ص ٢٤. ومما قاله الثعالبي: "كل ما علاك فهو سماء، كل أرض مستوية فهي صعيد. . .، كل ما يُستحيا من كشفه فهو عورة. . . كل نازلة شديدة بالإنسان فهي قارعة. . . كل بُستان عليه حائط فهو حديقة".

<<  <  ج: ص:  >  >>