للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاربها في مقامات لا يُقصد فيها الادعاء ولا المبالغة. فطرأ بذلك معْنًى جديدٌ لهذا اللفظ خارجٌ عن حد المجاز، لعدم احتياجه إلى القرينة. وقد يكون اللفظُ مجازًا، فيكثر استعمالُه حتى يساويَ الحقيقةَ فيصير حقيقة.

قال السيوطي في المزهر: "إن المجاز متى كثر استعمالُه صار حقيقة عرفًا، وإن الحقيقة متى قل استعمالُها صارت مجَازًا عرفا" (١). وذكر القرافي في تنقيح الفصول أن الوضع يطلق على جعل اللفظ دليلًا على المعنى وهو الوضع اللغوي، ويطلق على غلبة استعمال اللفظ في المعنى حتى يصير أشهرَ فيه من غيره (٢).

ومن أسباب كثرة المفردات اللغوية اشتهارُ المجازات، والاتساعُ في الإطلاقات؛ فإن المجاز إذا كثر استعمالُه في الكلام اشتهر فاستغنى عن نصب


(١) أورد المصنف ما نقله عن السيوطي بتصرف تقديمًا وتأخيرًا، ونصه: "فالحقيقة متى قل استعمالُها صارت مجازًا عُرفًا، والمجاز متى كثر استعماله صار حقيقة عرفا". ثم قال: "وأما بالنسبة إلى معنى واحد من وضع واحد فمحال، لاستحالة الجمع بين النفي والإثبات". المزهر، ج ١، ص ٢٩١. والحقيقة أن ما قاله السيوطي مبني على كلام الإمام الرازي حيث قال عند كلامه على المباحث المشتركة بين الحقيقة والمجاز: "المسألة الثانية: في أن اللفظَ الواحدَ هل يكون حقيقةً ومجازًا معًا؟ أما بالنسبة إلى معنيين، فلا شك في جوازه. وأما بالنسبة إلى معنى واحد: فإما أن يكون بالنسبة إلى وضعين، أو إلى وضع واحد؛ فأما الأول فجائز؛ لأن لفظ الدابة بالنسبة إلى الحمار حقيقة بحسب الوضع اللغوي، مجازٌ بحسب الوضع العرفي. وأما الثاني فهو محال؛ لامتناع اجتماع النفي والإثبات في جهة واحدة. المسألة الثالثة: في أن الحقيقة قد تصير مجازًا وبالعكس؛ الحقيقة إذا قل استعمالها صارت مجازًا عرفيًّا، والمجاز إذا كثر استعماله صار حقيقة عرفية". الرازي: المحصول، ج ١، ص ٣٤٣ - ٣٤٤.
(٢) ص ٢٥ طبع النهضة بتونس. - المصنف. ساق المصنف كلامَ القرافي بتصرف يسير، وتمام لفظه: "فالوضع يقال بالاشتراك على جعل اللفظ دليلًا على المعنى كتسمية الولد زيدًا، وهذا هو الوضع اللغوي، وعلى غلبة استعمال اللفظ في المعنى حتى يصير أشهرَ فيه من غيره، وهذا هو وضع المنقولات الثلاثة: الشرعي نحو الصلاة، والعرفي العام نحو الدابة، والعرفي الخاص نحو الجوهر والعرض عند المتكلمين". القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول من الأصول، نشرة بعناية أحمد فريد المزيدي (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٨/ ٢٠٠٧)، ص ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>