للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال في "تاج العروس" نقلًا عن شيخه: "وعلى استعمال "كل" (١) حُمل قولُ عثمان - رضي الله عنه - حين قيل له: "أبأمرك هذا فقال: "كل ذلك [- أي بعضُه -] عن أمري، وبعضه بغير أمري". (٢) ومع كون هذا الكلام المنسوب إلى عثمان لم يثبت بلفظه عمن يوثق به من أئمة اللغة، فإنه لا شاهدَ فيه؛ لأن قصاراه أنه عام مخصوصٌ بلفظ متصل به، فلم تخرج كلمةُ (كل) الواقعة فيه عن معنى جميع الأفراد إلا بعد ذكر لفظ آخر. والعام المخصوص مرادٌ عمومه تناولًا، وذلك نظير الاستثناء من لفظ دال على العموم. ثم قال في تاج العروس: "وجعلوا منه أيضًا قوله تعالى: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [النحل: ٦٩]، وقوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: ٢٣] ". (٣)

وأقول: أما الآية الأولى فلا شاهدَ فيها؛ لأن الأمر للإلهام والتسخير، فأكلها من كل الثمرات ممكن لها عند تمكنها وما يتيسر لها. وأما الآية الثانية فإن تنوين "شيء" للتعظيم بقرينة استعظام حالة ملكة سبأ، فلا حاجةَ إلى إخراج "كل" عن معنى الإحاطة بما أضيفت إليه. على أن كلامَ القاموس اقتضى أن كلمةَ "كل" تُطلق على مطلق البعض، أي: قليلًا كان أو كثيرًا. ويؤيده قوله: "ضِدٌ أي: ضِدٌّ لمعنى جميع الأجزاء؛ لأن أصل الضدية تقتضي تمام المقابلة، ولا أحسب أحدًا يقول بأن لفظ "كل" يطلق على الواحد ولا العدد القليل.

والذي يجب في هذا أن كلمة "كل" تُطلق على الكثير من جنس ما تضاف إليه، وعلى العظيم منه القائم مقامَ الكثير؛ لأن ذلك قريبٌ من أصل المعنى الموضوع له كلمة "كل"، إذ هو مبنيٌّ على تنزيل الأكثر أو المهم منزلةَ الجميع لعدم الاعتداد بما عدا ذلك. وهو استعمالٌ مجازي، ثم شاع وكثر في الكلام؛ لأن كلامَ العرب مبنيٌّ على التوسع، واستغنى عن قرينة المجاز حتى ساوى الإطلاقَ الحقيقيَّ في كثرته أو


(١) أي استعمال كل بمعنى بعض، حسب ابن الأثير شيخ الزبيدي.
(٢) الزبيدي: تاج العروس، ج ٣٠، ص ٣٣٩.
(٣) المرجع نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>