للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضِدٌّ" (١)، وأشار صاحبُ تاج العروس في شرحه إلى أن مستَنَدَه في ذلك إلى كلام الفيومي في "المصباح"، وأشار إليه ابنُ السيد البطليوسي في "الإنصاف" (٢).

فأما كلام الفيومي في المصباح، فمخالف لكلام القاموس؛ لأنه قال: "وقد يُستعمل بمعنى الكثير كقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: ٢٥]، أي كثيرًا؛ لأنها إنما دمرتهم ودمرت مساكنهم دون غيرهم، [ولا يُستعمل إلا مضافًا لفظًا أو تقديرًا] (٣)، وهو كلام غير محمود، وأحسن ما فيه قوله: "بمعنى الكثير".

وأما كلام ابن السيد في الإنصاف، فإنما ذكر في باب الخلاف العارض من جهة العموم والخصوص مثالًا، وهو قوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: ٢٣]، فسنتكلم عليه. وأما قوله: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: ٢٥]، فهو من العام المخصوص، خصصه قوله: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: ٢٥]، فعلم أن المدمَّر عينُ المساكن. فقد توارد كلامُ الفيومي وكلامُ ابن السيد على هذا الشاهد المؤوَّل بأنه من العام المخصوص (٤).


(١) الفيروزآبادي: القاموس المحيط، ج ٣، ص ٥٢٠ (باب اللام: فصل الكاف).
(٢) الزبيدي: تاج العروس، ج ٣٠، ص ٣٣٩. ولفظ كلامه: "وقد أورد بعض ذلك الفيومي في مصباحه، وأشار إليه ابن السِّيد في الإنصاف".
(٣) الفيومي، أحمد بن محمد بن علي: المصباح المنير، نشرة بعناية يحيى مراد (القاهرة: مؤسسة المختار، ١٤٢٩/ ٢٠٠٨)، ص ٣٢٥.
(٤) قال ابن السيد أثناء كلامه على العموم والخصوص بصدد قوله تعالى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (١١٦)} [البقرة: ١١٦]: "قال قوم هذا خصوص في أهل الطاعة، واحتجوا بأن كلًّا، وإن كانت في غالب أمرهم للعموم، فإنها قد تأتِي للخصوص، كقوله تعالى: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: ٢٣]، وقوله تعالى: {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} ثم قال: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: ٢٥] ". التنبيه على الأسباب التي أوجبت الخلاف بين المسلمين، ص ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>