للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فإذا جُمِع علمُ عامة أهل العلم أتى على لغتهم، وإذا فُرِّق علمُ كلِّ واحد منهم ذهب عليه الشيء منها ثم كان ما ذهب عليه منها موجودًا عند غيره" (١).

وهذا نصٌّ جيد من الشافعي ذي المكانة السامية في العربية، البالغ بها مرتبةَ الذين يُحتج في العربية بأقوالهم. فيتبين أن العربية، وإن جلت عن أن يحيط بها علم أحد كما قال ابن فارس، لا تعدم عنايةَ أئمة اللغة والنحو والأدب والتفسير والحديث بحفظ كثير منها بحيث يلتئم من مجموع الجهاز اللغوي المحفوظ جميعُ لغة العرب أو معظمُها المهم منها. فإن فات منها فائت أو أميت مائت فما هو عليه بالمأسوف، ولأهل اللغة غنية عن ندوره بالفصيح المألوف.

هذا واللغة تنقسم إلى كلم؛ أي مفردات، وإلى كلام؛ أي مركبات. فالمفردات منها أسماء أعيان، وأسماء أحداث - أي أحوال الأعيان -، وروابط وهي الكلمات التي تفيد معانِيَ نسبية من قبيل الأكوان صالحةً للربط بين أسماء الأعيان بعضها مع بعض بأن تفيد حدوثَ معنى بين اسمين من أسماء الأعيان، وتسمى حروف المعاني، وهي شبيهة بأسماء الأحداث؛ فإن قوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: ٢٠] ربطت الباء بين ضمير الشجرة وبين الدهن فكان المعنى أنها موصوفة بالنبات وأنها متلبسة بالدهن، فأفادت الباء معنى لم يتوصل إلى إفادته باسم الحدث، فإن النبت لا يفيد إلا نابتًا، فإذا أريد التأليف بين النابت وبين مسمى اسم آخر ولم يمكن تَعلُّق فعل النبات به، احتيج إلى حرف يصل بينهما على معنى كون من الأكوان الخاصة، وهذه الأكوان الخاصة هي المعبر عنها بالمعاني الجزئية.


(١) تصرف المصنف في هذا الجزء من كلام الشافعي بتغيير بعض ألفاظه ربما ليناسب سياق الكلام هنا. ولفظ الشافعي: "والعلم بذلك [أي بلسان العرب] عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه، لا نعلم رجلًا جمع السنن فلم يذهب منه عليه شيء، فإذا جُمع علمُ عامة أهل العلم بها أتى على السنن، وإذا فُرِّق علمُ كل واحد منهم ذهب عليه الشيء منها، ثم كان ما ذهب عليه منها موجودًا عند غيره". المصدر نفسه، ص ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>