فإذا تقرر هذا، فلنعُدْ إلى ما جاء في مجلة المجمع العلمي بدمشق ونصه:"ومنه يتضح جوازُ التصحيح (علاوةً على الإعلال) في صوغ مفعلة من أسماء الأعيان الثلاثية الأحرف التي ليس لها أفعال، كتوت وخوخ وتين وأشباهها"، فنؤسس له بأن مقصَدَ أئمة العربية من وضع القواعد التصريفية تجنبُ الحيْدة في التكلُّم بكلام عربِي عن غير الاستعمال المستَقْرَى من تتبع فصيح الكلام، والتنبيهُ على ما ندر استعمالُه بينهم بأنه يُحفظ ولا يُقاس عليه، مع بيان المناسبات الدقيقة التي أفاضتها أذواقُ الأئمة المتتبعين لموارد استعمال الكلام العربي عند اشتقاق الكلمات وصوغها، لتكون تلك الأصولُ صونًا لِلِسانِ الناشئ في هذه اللغة من الخطأ ولتُتَّخذ مقياسًا يقاس عليه ما يُراد اشتقاقُه فيما لم يُسمع استعمالٌ فيه عن العرب.
وما أرادوا من صنعهم هذا إلا ليتَّبع الشاجون في اللغة أشهرَ الاستعمال، ويجتنبوا النادرَ تقليلًا من انتشار ذلك النادر؛ لأن لانتشاره فيما سلف من عصور العرب سببًا تعذّر معه الضبط، وهو تعددُ القبائل، وتباعدُ المواطن، وفقدانُ التدوين، واللُّجأُ إلى السماع دون وضع قواعد. وذلك ما أهلُ العربية اليومَ فيه بمنجاةٍ عن تلك العوائق.
فلنبنِ على هذا الأساس أنا نعتمد أحدَ الوجهين في صيغة المفعلة من المعتل العين، وهو وجهُ التصحيح لرجحانه على الإعلال بأن علته تجنبُ اللبس. فإذا سلمنا بأن الوجهين من الإعلال والتصحيح جائزان، فعلينا الأخذُ بأحدهما لتجريَ لغتُنا على طريقة واحدة، فذلك أسعدُ بمقصدنا من ضبط استعمال اللغة وتحديد وتطبيق فروقها، أخذًا بأفصح الوجوه الواردة عن الفصحاء وأشهرها دورانًا في كلامهم، أو أخذًا بأحد الجائزَيْن إذا كان للأخذ به مرجِّحٌ، كما تبين مما سلف.