وهذا الصنف ورد تصحيحُ المعتل منه عن العرب في قولهم: الحرب مأتمة، وكثرة الشراب مَبْوَلَة (فهذه كلُّها ليست مصادرَ ميمية لعدم اشتقاقها من معنى المصدرية بل هي دالَّةٌ على كثرة الأحداث).
ونحن وإِنْ لَمْ نعثر على مثالٍ مسموع مِمَّا ورد فيه مفعلة للصنف الأول قد أعلوا عينه، فهذه أمثلةٌ لما صُحَّح فيه الصنفُ الثاني الذي هو نظيرُه، فنجعل هذا الصنفَ الثاني أصلًا يقاس عليه. فالذي يجب اعتمادُه في المفعلة المصوغة من الاسم الجامد للدلالة على المكان الذي يكثر فيه مسمَّى ذلك الاسم إذا كانت العين حرفَ علة، أن نجري على تصحيح حرف العلة وأن لا يُترك الخيارُ للمتكلمين بين أن يصححوا أو يعلُّوا، إذ لا بدَّ أن يجريَ كلامُ الشعوب العربية على طريقة متحدة وصريحة لا احتمالَ فيها؛ لأن وضوحَ المراد هو الغايةُ الأصلية من وضع اللغات وتهذيبها.
ومما يؤكِّد ذلك أن الأسماءَ الجامدة التي عينُ كلماتها ألفٌ، لا يمكن صوغُ المفعلة منها إلا بإرجاع الألف إلى الواو نحو سَاج (اسم خشب متين لا ينخره السوس) وبان (اسم شجر ذي حَب يدهن بزيته)، فصوغ مفعلة للمكان الذي يكثر فيه أحدهما يتعين فيه التصحيحُ فنقول مَسْوَجَة ومَبْوَنَة على المعروف في قلب الألف المجهولة الأصل واوًا إذا عرض لها موجِبُ قلب، كما قُلبت ألفُ خاتِم حين جمع على خواتِم. ولو أعللنا العين بعد أن تُرَد إلى أصلها لآل أمرُنا إلى أنا أرجعنا الألف إلى حالتها التي حَولناها عنها، فيذهب عملنا سُدى.
فالظاهر من كلام لجنة المجمع اللغوي أنهم ما أرادوا إلا أن صيغةَ مَفْعلة لِمَا كثر من ذوي الأسماء الجامدة يتعين فيها التصحيحُ ولا يجوز فيها الإعلال، وهو الذي ينبغي الصَّدَرُ عنه لضعف شبه صيغة المفعلة هذه بالأفعال: في مادتها لأنها مأخوذة من الجامد، وفي صيغتها لأنها صيغةٌ لا نظيرَ لها في الأفعال، ولقلة تداولها في الكلام بحيث لا يُتطلَّب لها التخفيفُ بالإعلال، ولأن قلة تداولها قد تُفضي في بعض صور إعلالها إلى التباسِ مراد المتكلِّم كما تقدم؛ لأن أذهان السامعين متفاوتة في إدراك ما يخيِّل اللبس.