للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض أمهات الدواوين اللغوية من كلام مغلق يكدُّ حلُّه أفهامَ الناظرين، وتزل في مزالقه أقدامُ الناقلين والمختصرين. فربما شوَّه بعضُهم اللغة تشويهًا شنيعًا، وربما عمد بعضُهم إلى حفظها فأصبح لها مضيعًا. واستظهر لذلك بشاهد واحد، والظن بضلاعته أنه قصد الاختصار لا أنه الآخر غير واحد.

وإني وإن شاطرتُه رأيَه مشاطرةَ تأييد، ورجَّعْتُ نداءَه المهيب بالتقفية على رأيه السديد، فأنا أقفي على أثره مباحثَ على شهده الوحيد. فأقول: إن ما أخذه على صاحب "محيط المحيط" (١) في "الصوت المجسد" مأخذُ فطِنٍ لبيب، واعتراضه عليه


= حقق الكرملي عددًا من الكتب، في مقدمتها: معجم "العين" للخليل بن أحمد (لكنه لم يكمله بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى)، و"نخب الذخائر في أحوال الجواهر" لابن الأكفاني، و"الإكليل للهمداني". وله فضلًا عن ذلك أكثر من ١٣٠٠ مقالة في فنون وموضوعات مختلفة، وكثير منها في قضايا اللغة العربية.
(١) صاحب "محيط المحيط" هو العلامة اللبناني بطرس البستاني الملقب بالمعلم، ولد سنة ١٨١٩ في قرية الدبِّية إحدى قرى قضاء الشوف بجبل لبنان. وفي كبرى مدارس هذه القرية تعلم العربية والسريانية واللاتينية والإيطالية، ودرس الفلسفة واللاهوت وما يتصل به. ثم انتقل عام ١٨٤٠ إلى بيروت حيث اتصل ببعض عناصر الإرسالية الإنجيلية الأمريكية من مؤسسي الكلية الإنجيلية السورية التي أصبحت فيما بعد الجامعة الأمريكية ببيروت. وفي بيروت وسع البستاني دائرة معارفه فتعلم اللغتين اليونانية والعبرية، وانخرط في ضروب من النشاط العلمي والثقافي والاجتماعي، بما في ذلك إنشاء المجلات وتأسيس المدارس. ترك بطرس البستاني أثرين علميين مهمين: أولهما "دائرة المعارف" التي نال عنها "الوسام المجيدي الثالث" من السلطان العثماني عبد المجيد. أما الأثر الثاني فهو قاموس "محيط المحيط" الذي بناه على "القاموس المحيط" للفيروزآبادي. وقد بين منهجه في إنشائه حيث قال: "الحمدُ لله الذي أنطق العربَ بأفصَح الكلمات وجَعل العربية شامَةً في وَجْنَةِ اللغات. أمّا بعدُ فهذا المؤلَّفُ يَحتوي على ما في مُحيط الفَيروزآباديّ، الذي هو أشهرُ قاموس للعرَبيَّةِ، من مُفرداتِ اللغة وعلى زيادات كثيرة. فقَد أضَفْتُ إلى أصول الأركان فيه فُروعا كَثيرةً وتفاصيل شتى وَألحقتُ بذلك اصطلاحاتِ العلوم والفنون وكثيرًا من المسائل والقواعد والشوارد وغير ذلك مما لا يتعلق بمتن اللغة. وذكرت كثيرًا من كلام المُولَّدين وألفاظ العامة منبِّهًا في أماكنها على أنها خارجةٌ عن أصل اللغة، وذلك لكي يكونَ هذا الكِتابُ كامِلًا شامِلًا يجدُ فيه كُلُّ طالبٍ مَطلوبَهُ من هذا القبيل. وعلى هذا الأسلوب كان هذا الكتابُ قيدَ الأوابدِ ومَحَطَّ الشوارد، فاستحق أن يُسمَّى مُحيط المحيط لأنه قد جمع ما ذهب في كُتُب اللغَة شماطيط. =

<<  <  ج: ص:  >  >>