للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعبيرهم وما تفيده المفرداتُ اللغوية المناسبة للغرض المسوقة إليه العبارة ومقتضى كتابة العبارة الجارية على طريقة الكتابة في ذلك العصر.

فبنا أن نتأمل في المعنى من قوله: "مرقوم". فالمرقوم الذي جعل له الرقم، والرقم علامة ترقم، أي: تُنقش. فقد يكون حروفًا، وقد يكون علامة، ومنه الرقم في الثوب. وقال تعالى: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ (٩)} [المطففين: ٩]، فقيل في وجه وصف الكتاب بالمرقوم: إن المراد كتاب معلم متميز. ولما وصف الصوت بالمرقوم تعين أنه رقم اعتباري، أي: صوت مكيف بكيفية تميزه عن غيره، وهي كيفية اللحن الخاص. ومعنى كلمة "على" الاستعلاء المجازي - لا محالة - الذي يؤول إلى معنى الملابسة، مثل [قوله تعالى]: {عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة/ لقمان: ٥]، أي: مميز بكيفية خاصة ملابسة لنغمات. وتفسيره المجسد بالمرقوم على نغمات يدل على أن وصفه بالمجسد؛ لأنه صوتٌ محدد بلحن خاص يعينه ويشخصه ويميزه عما سواه، وذلك بنغمات مخصوصة يصير بها الصوتُ مضبوطًا مُعيَّنًا يشبه الجسدَ المحدد بالشكل؛ لأن الرقم يكون واضحًا متميزًا في الطرس أو الثوب.

فاللحونُ كلها حدودٌ للأصوات تُعرف بها، فيكون الصوتُ المجسَّد على هذا هو الصوتُ الملحن المتغنَّى به، شأن الأصوات المذكورة في "كتاب الأغاني" (١).

و[بنا] (٢) أن نتأمل في سبب التردد في كلمة "محنة أو مجنة"، وذلك أنها كلمةٌ مركبة من أربعة حروف: الأول منها يتعين لكونه ميمًا، والرابع يتعين لكونه هاء تأنيث، والثالث لم يختلفوا في كونه نونا.


(١) انظر في الأصوات المذكورة وسبب اختيارها وتعيينها: الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ١، ص ٧ -
١١ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ١/ ١، ص ١١ - ١٥ (نشرة الحسين).
(٢) هذه العبارة اقتضاها السياق وتفريع الكلام الذي بدأ من قبل بقول المصنف: "فبنا أن نتأمل في المعنى قوله مرقوم".

<<  <  ج: ص:  >  >>