للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى عَدُوِّكَ يَا ابْنَ عَمِّ مُحَمَّدٍ ... رَصَدَانِ: ضَوْءُ الشَّمْسِ وَالإِظْلَامُ

فَإِذَا تَنَبَّهَ رُعْتَهُ وَإِذَا غَفَا ... سَلَّتْ عَلَيْهِ سُيُوفَكَ الأَحْلَامُ (١)

ويريدون بالرقة نسجَه على منوال المحدثين في اللين والظرف، وأظهر مثال جمع هذين الوصفين قول جميل:

أَلَا أَيُّهَا النُّوَامُ وَيْحَكُمْ هُبُّوا ... أُسَائلُكُمْ هَلْ يَقْتُلُ الرَّجُلَ الحُبُّ

قال بعض أئمة الأدب: "هذا البيت أوله أعرابي في شملته، وآخره مخنث من مخنثي العقيق يتفتك". (٢) ألا ترى أن قوله: ويحكم من كلمات التعجب وهي جزلة، فلو قال: أفيدكم لاعتاض عن الجزالة بالرقة.


= وله فيه المدائح المختارة والقصائد السيارة. والبيتان المذكوران مما مدح به هارون الرشيد، وهما من بحر الكامل.
(١) ابن قتيبة: الشعر والشعراء، ص ٥٣٨. وجاء في البيت الأول "الصبح" بدل "الشمس".
(٢) روى المرزباني بسنده عن الهيثم بن عدي قال: "قال لي صالح بن حسان: هل تعرف بيتًا من الشعر نصفه أعرابِيٌّ في شملة، والنِّصف الآخر مخنَّثٌ من أهل العقيق يتقصف تقصفًا؟ قلت: لا والله. قال: قد أجَّلتُك حولًا. قلت: لو أجَّلْتَنِي حولين ما علمتُ الذي سألتني - وقال محمد في حديثه: لو أجَّلْتَنِي خمسين حولًا لم أعرفه. فقال: أُفٍّ لك! قد كنت أحسبك أجودَ علمًا مما أنت. قلت: وما هو؟ قال: "أو مَا سمعتَ قول جميل: أَلَا أَيُّهَا النُّوَّامُ وَيْحَكُمْ هُبُّوا"، أعرابي والله يهتف في شملة. ثم أدركه اللين وضَرَعُ الحب وما يدرك العاشق، فقال: "أُسَائِلُكُمْ هَلْ يَقْتُلُ الرَّجُلَ الحُبُّ"، كأنه والله من مخنثي العقيق يتفكك". وجاء عن الأصمعي مثلُ ذلك، قال: "قال هارون [الرشيد] يومًا لجلسائه وأنا منهم: أيكم يعرف بيت شعر أول المصراع منه أعرابي في شملة، والثاني مخنَّثٌ يتفكك؟ فأَرَمَّ القوم (أي: سكتوا)، فقال هارون: قول جميل: "ألا أيها النوام ويحَكم هبوا"، فهذا أعرابي في شملة، ثم قال: "أسائلكم هل يقتل الرجل الحبُّ؟ "، فهذا مخنث يتفكك. قال الأصمعي: فقلت: له: يا أمير المؤمنين، قول مادحك: "يا زائرينا من الخيام"، أعرابي في شملة، "حياكم الله بالسلام" مخنث في يده دفُّ". المرزباني، أبو عبد الله محمد بن عمران بن موسى: الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء، تحقيق محمد حسين شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤١٥/ ١٩٩٥)، ص ٢٣٤ - ٢٣٥. وانظر البيت في: ديوان جميل بثينة، ص ٦٢؛ ابن قتيبة: الشعر والشعراء، ص ٢٦٩ (وفيه: أَلَا أَيُّهَا الركبُ النيام ألا هُبُّوا").

<<  <  ج: ص:  >  >>