على حالة خصوصية وهي التأكيد بـ "إن" لإفادة معنى زائد وهو توكيد الخبر لأجل إبطال تردد المخاطبين فيه، وذلك أمر زائد على أصل المعنى، وهو الإعلام بكونهم رسلًا الذي يكفي لإفادته أن يقال "أرسلنا إليكم" أو "نحن إليكم مرسلون". وتسمى هذه الأحوال الخصوصية بالنكت وبالخصوصيات، وهي تكثر وتقل في الكلام بحسب وجود الدواعي والمقتضيات من كثرة وقلة، كالأدوية فإنها تشتمل على عقاقير كثيرة تارة وقليلة أخرى بحسب ما يحتاجه المزاجُ لإصلاحه.
انظر مثلًا قولَه تعالى:{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[الحديد: ٩]، فنجد في قوله "ينزل" خصوصيتين: إحداهما التعبيرُ بصيغة "فعَّل" الدالة على التكرير، والثانية التعبيرُ بصيغة المضارع الدالة على التجدد والاستمرار؛ لأن المقام للتبشير بزيادة الإخراج من الظلمات إلى النور يومًا فيومًا وفي كل حال، وانظر قوله في الآية الأخرى:{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}[آل عمران: ٣]، فلا تجد في "نزل" إلا خصوصيةً واحدة وهي التعبير بصيغة "فَعَّل"؛ لأن المقام للامتنان، والامتنان يكون بما وقع لا بما سيقع.
والبليغ في إتيانه بهذه الأحوال في كلامه يراعي أحوالَ المخاطبين ومقامات الكلام (١)، فلا يأتي بنكتة وخصوصية إلا إذا رأى أن قد اقتضاها حالُ المخاطَب واستدعاها مقامُ الكلام. وبمقدار تفاوت المتكلمين في تنزيلها على مواقعها، يتفاوت الكلامُ في مراتب البلاغة إلى أن يصل إلى حد الإعجاز الذي يعجز البشر عن الإتيان بمثله، وهو الذي اختصَّ به نوابغُ بلغاء العرب، مثل امرئ القيس، والنابغة، والأعشى، وسحبان في أكثر كلامهم.
(١) أحوال المخاطبين مثل حال المنكِر، والمتردد، والمعتقد العكس في القصر، وحال الذكي والغبي في إيراد الكناية. وأما المقامات فهي أغراضُ الكلام والمواقع التي يتكلم فيها البليغ، مثل مقام الحرب، ومقام السلم، ومقام الحب، ومقام الموعظة، ومقام الاستدلال العلمي، ومقام الخطابة الإقناعي. - المصنف.