للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكلُّ كلمةٍ منه لا تنافرَ فيها، وإنما حصل التنافرُ من اجتماعها، حتى قيل إنه لا يتهيأ لأحد أن ينشد النصف الآخر ثلاث مرات متواليات، فلا يتلعثم لسانُه.

وأما مخالفةُ قياس النحو فهو عيب كبير؛ لأنه يصير الكلام مخالفًا لاستعمالات العرب الفصحاء، فهو يعرض للمولَّدين. والمرادُ منه مخالفةُ ما أجمع النحاةُ على منعه، أو ما كان القول بجوازه ضعيفًا ووروده في كلام العرب شاذًّا، نحو تعريف "غير" في قول كثير من طلبة العلم "الغير كذا"، ونحو تقديم التأكيد على المؤكد في قول المعري:

تَعَبٌ كُلُّهَا الحَيَاةُ فَمَا أَعْـ ... ـجَبُ إِلَّا مِنْ طَامِعٍ فِي ازْدِيَادِ (١)

وكذلك كل ما جوزوه في ضرورة الشعر إذا وقع شيء منه في النثر، فضعف التأليف عيب لا يوجب انبهام المعنى بخلاف التعقيد.

والبلاغة اشتمال الكلام على أحوال خصوصية (٢) تستفاد بها معان زائدة على أصل المعنى (٣) بشرط فصاحته، كاشتمال قوله تعالى: {فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤)}


= انظر نسبة هذا البيت وغيره للجن في الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن المفضل: محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، تحقيق عمر الطباع (بيروت: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، ١٤٢٠/ ١٩٩٩)، ج ٢، ص ٦٦٣.
(١) البيت هو الثاني عشر من قصيدة بعنوان "ضجعة الموت رقدة". سقط الزند، ص ٨ (وفيه: "رَاغِبٍ" عوض "طامع").
(٢) نسبة للخصوص، وهم خاصة الناس في هذا الباب، أعني بلغاء الكلام؛ لأن هاته الأحوال لا توجد إلا في كلام البلغاء دون كلام السوقة، ولئن وجدت في كلام السوقة فإنها غير مقصود بها مرماها. - المصنف.
(٣) أصل المعنى هو المقدار الذي يتعلق غرض المتكلم بإفادته المخاطب، سواء كان قليلًا، نحو نزل المطر، أو بزيادة معنى نحو نزل الجود ورسف فلان، فإنه يفيد أزيد من نزل المطر ومشى فلان، لكنه أفاده بمدلول الكلمات. وقد تكون الزيادة في المعنى، نحو جاء فلان الكاتب. وكل هذا من قبيل أصل المعنى؛ لأن جميعه تعبيرٌ لزمت إفادتُه. فالحاصل أن أصل المعنى يطول ويقصر بحسب الغرض، وهو فوائد أصلية، ثم إذا كيف المتكلم بكيفياتٍ فتلك الكيفياتُ زائدةٌ على أصل المعنى. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>