للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأدوات، أو بالإتباع، أو بالعطف (١)، فلا تذكر جمل الكلام ولا كلماته تعدادًا إلا في الواقع التي يقصد فيها التعداد نحو قوله: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (١٢) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣)} [الغاشية: ١٢, ١٣]، أو في حكاية المحاورات نحو: {قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [هود: ٦٩]، وقولنا: سئل فلان أجاب (٢)، أو إملاء الْحُسبان نحو واحد اثنان، أو قصد إظهار انفصال الجمل واستقلالها كقوله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)} [الدخان: ١٥, ١٦]. أو في مواقع الفصل الآتية:


(١) فإن الكلمات المجتمعة إنما يجمعها معنى عامل نحو: كتب زيد الكتاب، وكسوت زيدًا جبة، وأخبرتك زيدًا قائمًا. وكذلك بالأدوات نحو: مررت بزيد، فإن انتهت قوة العامل - أي أخذ من المعمولات ما يقتضيه معناه - توصل إلى غير ذلك بالإتباع من نعت أو بيان أو بدل. وهذه التوابع هي في الحقيقة عين المتبوع في المعنى. أما طريق توصل العوامل لما هو أجنبي عن معمولاتها فذلك منحصرٌ في طريق عطف النسق؛ فإنك إذا أردت أن تعدي "كسا" مثلًا لأكثر من مفعولين، لم تجد مسلكًا لذلك إلا العطف فتقول: كسوتك جبة وبرنسًا وقميصًا. فلا جرم كان عطف النسق هو الذي يجمع الكلمات الأجنبية بعضها عن بعض في المعنى والبعيد بعضها عن أن يصل إليه عملُ العامل. ومثل ما قيل في المفردات يقال في الجمل، بل الجمل للعطف أحوج؛ لأن أكثرها أجنبيٌّ بعضُه عن بعض، إذ الأصل في الجمل الاستقلال. ولذلك لقب عطفها بالوصل؛ لأن له مزيدَ أثر في الربط لشدة تباعد الجملتين. ثم اعلم أن مسائل الفصل والوصل الغرضُ منها معرفة أساليب العرب في ربط جمل الكلام حتى يجيء المتكلم بكلام لا يوقع فهم السامع في لبس. ولذلك كان حق مسائل هذا الباب أن تكون أعلقَ بعلم النحو؛ إذ ليس فيها ما يفيد خصوصياتٍ بلاغية. غير أن الذي دعا علماء البلاغة إلى ذكرها في هذا الفن أمور ثلاثة: أحدها أن النحاة تكلموا على أحكام العطف، ولم يتكلموا على أحكام ترك العطف. ثانيها أنهم تركوا كثيرًا من مسائل المناسبات. ثالثها أنه لمَّا كان العطفُ وتركه قد يُلاحَظ فيهما أمورٌ ادعائية في الشعر والخطابة ناسبَ أن يُذكر مع خصوصيات علم المعاني. - المصنف.
(٢) ومنه قول الشاعر:
قَالَ لِي: كَيْفَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: عَلِيلُ ... سَهَرٌ دَائِمٌ وَحُزْنٌ طَوِيلُ
- المصنف. البيت في الجرجاني، وقال فيه الشيخ محمود شاكر: "مشهور غير منسوب". دلائل الإعجاز، ص ٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>