للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعطفُ الجمل إما بالواو المقتضية لأصل التشريك في الحكم المتكلَّم فيه، وإما بحرف آخر يدل على معنى زائد على التشريك أو على ضد التشريك إذا وجد معنى ذلك الحرف نحو الفاء وحتى وأو وبل. وهذا الأصلُ الذي أشرت إليه يُعدَلُ عنه لأحد أمرين: لمانع يمنع منه، أو لشيء يُغْني عنه.

ثم شَرطُ صحة العطف مطلقًا في المفردات والجمل وبالواو وبغيرها، وجودُ المناسبة التي تجمع الجملةَ المعطوفة والجملةَ المعطوف عليها في تعَقُّل العقول المنتظمة بحسب المتعارف (١) عند المتكلمين بتلك اللغة.

وهاته المناسبةُ لا تعدو التماثلَ أو التضاد أو القرب من أحدهما نحو: زيد يكتب ويشعر، {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (١٠)} [الرحمن: ٧ - ١٠]. بخلاف نحو زيد يكتب (٢)، وينام، ويعطي، وينظم الشعر، وخرجت من السوق، وأبدع امرؤ القيس في شعره، وإن كان كلُّ ذلك كلامًا صادقًا، حتى كان العطف في المقام الذي لا توجد فيه المناسبة مؤذِنًا بمقصد كمقصد التشبيه في قول كعب: "إِنَّ الأَمَانِيَّ وَالأَحْلَامَ تَضْلِيلُ" (٣). فإن الكلامَ على مواعيد سعاد وأمانيها، ولا كلام على الأحلام، فلما عطف الأحلامَ على الأماني علمنا أنه قصد


(١) سيأتي بُعيد هذا ما يبيّن المراد من قولي: "المنتظمة بحسب المتعارف". - المصنف.
(٢) فقوله: "زيد يكتب" إلخ مثال للتماثل، وقوله: "يعطي ويمنع" مثال للتضاد، وقوله {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} [الرحمن: ٧] مثال لشبه التضاد. ويجمع أمثلة القرب من التماثل والتضاد قوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧)} [الغاشية: ١٧]. - المصنف.
(٣) البيت من قصيدة "بانت سعاد"، وتمامه:
فَلَا يَغُرَّنَّكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ ... إِنَّ الأَمَانِيَّ وَالأَحْلَامَ تَضْلِيلُ
السكري: شرح ديوان كعب بن زهير، ص ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>