للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبأن تجيب سؤال السائل بغير ما يتطلب تنبيهًا على أنه الأولى بحاله أو المهم له، كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩].

ومنه القلب، وهو جعلُ أحد أجزاء الكلام مكانَ الآخر لغير داع معنوي دون تعقيد ولا خطأ ولا لبس (١)، ويقصده البلغاء تزيينًا للكلام. فمنه ما ليس بمطرد، نحو "عرضت الناقة على الحوض"، و"أدخلت الخاتم في إصبعي". ومنه مطرد في الكلام كثير عندهم حتى صار أكثرَ من الأصل، نحو قولهم: "ما كاد يفعل كذا" يريدون كاد ما يفعل، وعليه قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)} [البقرة: ٧١]، وقوله: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: ٤٠]. ومن هذا النوع التشبيهُ المقلوب المذكورُ كله في البيان، وعليه قول رؤبة:

وَمَهْمَهٌ مُغْبَرَّةٌ أَرْجَاؤُهْ ... كَأنَّ لَوْنَ أَرْضِهِ سَمَاؤُهْ (٢)

وقد ظهر أن هذا النوع كله لا حالَ تقتضيه، ولكنه تمليح في الكلام.

ومن النوع الثاني من أنواع تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ما تقدم في باب الإسناد من تنزيل غير السائل منزلةَ السائل، ومنه مخاطبةُ الذي يفعل بالأمر بالفعل لقصد الدوام على الفعل كما في: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} [النساء: ١٣٦]، ولعدم الاعتداد بفعله كما في الحديث: "صلّ فإنك لم تصل" (٣).


(١) احتراز عما كان قلبًا يوجب تعقيدَ الكلام، أو كان عن خطأ أو كان موجبًا للبس. - المصنف.
(٢) البيت هو طالع القصيدة الأولى من ديوانه المطبوع وهي في وصف المفازة والسراب، وقد جاء صدره مختلفًا عما أورده المصنف، إذ هو بلفظ: "وبَلَدٍ عاميةٍ أعماؤه". مجموع أشعار العرب، نشرة بعناية وليم بن الورد البروسي (ليبسيغ: مطبعة دروغولين، ١٩٠٣)، ج ٣: ديوان رؤبة بن العجاج (تصوير دار ابن قتيبة بالكويت، بدون تاريخ)، ص ٣.
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>