للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه أيضًا الأسلوب الحكيم، وهو تلقي مَنْ يخاطبك بغير ما يترقب، أو سائلك بغير ما يتطلب، بأن تحمل كلام مخاطِبك (بكسر الطاء) على خلاف مراده، تنبيهًا على أنه الأولى له بالقصد، كقول [ابن] القبعثري للحجاج وقد قال له الحجاج متوعدًا إياه: "لأحملنك على الأدهم"؛ يعني القيد فقال له [ابن] القبعثري: "مِثْلُ الأمير يحمل على الأدهم والأشهب"، صير مرادَه للفرس (١). ومنه قولُ [حاتم الطائي] (٢):

أَتَتْ تَشْتَكِي مِنِّي مُزَاوَلَةَ القِرَى ... وَقَدْ رَأَتْ الضِّيفَانَ يَنْحُونَ مَنْزِلِي

فَقُلْتُ لَها لمَّا سَمِعْتُ كَلَامَهَا: ... هُمُ الضَّيْفُ جِدِّي فِي قِرَاهُمْ وَعَجِّلِي (٣)


= والمنهجي بين الكتابين، وقرأهما قراءة تناص في سياق واحد، ولو أنه نظر فيما كتبه غيره من قبل في هذا الشأن، لما استعجل - على الأقل - ترجيح نسبة كتاب "الجامع الكبير" إلى عز الدين ابن الأثير. هذا وقد كان من حق هذه الحاشية أن تُلحق بمقال المصنف "نظرة في كتاب الجامع الكبير لابن الأثير" الذي يأتي لاحقًا في هذا القسم من الكتاب، إلا أن الحاجة إلى الإحالة على كتاب "الجامع الكبير" اقتضت تقديمها هنا، تنبيهًا للقارئ. ولا تكفي نسبةُ حاجي خليفة الكتابَ إلى علي ابن الأثير دليلًا قاطعًا على كونه من تأليفه، وهو ما يبدو أن هنداوي قد استند إليه.
(١) واسمه الغضبان ابن القبعثري بن هوذة، كان فصيحًا من دهاة العراف، وكان على صلة بالحجاج بن يوسف، ثم مال إلى أبن الأشعث وصار من الخوارج، فسجنه الحجاج، وقد حفظ التاريخ له معه حكايات طريفة. وكثير من كلامه مما يستشهد به في معرض الحديث عن الفصاحة والبلاغة. ومعنى كلمة القبعثري: الفصيل المهزول، والجمل الضخم.
(٢) فراغ في الأصل المطبوع.
(٣) البيتان بلا نسبة في: السكاكي: مفتاح العلوم، ص ٤٣٥ - ٣٨٧ (نشرة هنداوي)؛ القزويني: الإيضاح، ص ٧١؛ الجرجاني: الإشارات والتنبيهات، ص ٥٥. وجاء صدر البيت الثاني في هذه المصادر: "فَقُلْتُ كَأَنِّي مَا سَمِعْتُ كَلَامَهَا"، بينما جاء في صدر البيت الأول "عندي" عوض "مني". وممن عزاهما لحاتم الطائي محمدُ عبد المنعم خفاجي في تحقيقه لـ "الإيضاح في علوم البلاغة" ولم تردا في ديوانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>