للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما عدا ذلك يحسن منه ما تضمن تمليحًا، كقول المتنبي:

كَفَى بِجِسْمِي نُحُولًا أَنَّنِي رَجُلٌ ... لَوْلَا مُخَاطَبَتِي إِيَّاكَ لَمْ تَرَنِي (١)

ومن التورية - وهي أن يُذكرَ لفظٌ له معنيان قريب وبعيد، ويراد المعنى البعيد اعتمادًا على القرينة لقصد إيقاع السامع في الشك والإيهام. ولم تكن معروفةً في شعر العرب إلا في قول لبيد يذكر قتلاهم ويوري بأبيه ربيعة قتل يوم ذي علق:

وَلَا مِنْ رَبِيعِ المُقْتِرِينَ رُزِئْتُهُ ... بِذِي عَلَقٍ فَاقْنَيْ حَيَاءَكِ وَاصْبِرِي (٢)

وقول عنترة:

جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ ... فَتَرَكْنَ كلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَمِ (٣)

البكر السحابة السابق مطرها والحرة الخالصة من البرد، وقد اشتهر بالإبداع في هذا النوع علي الغراب الصفاقسي (٤) المتوَفَّى سنة ١١٨٣ كقوله:

جَمَعْتُ هَوَى ظَبْيٍ وَقَدْ كَانَ جَامِعًا ... لِزَيْتُونَةٍ مِنْ فَوْقِ أَغْصَانِهَا التَوَى


(١) المصدر نفسه، ص ٣١٩. والبيت من مقطوعة قالها الشاعر في صباه طالعها:
أَبْلَى الهَوَى أَسَفًا يَومَ النَّوى بَدَنِي ... وَفَرَّقَ الهَجْرُ بين الجَفْنِ والوَسَنِ
(٢) ديوان لبيد، ص ٤٥. البيت من قصيدة قالها الشاعر في ذكر من فقد من قومه وسادات العرب وتأمل ظاهرة الموت وعدم حيلة الإنسان أمامه. وذو عَلَق جبل في ديار بني أسد، ولهم فيه يوم مشهور، وهو يوم ثنية ذي علق، قتلت فيه بنو أسد ربيعة بن مالك بن جعفر أبا لبيد، وهو ربيعة المقترين الذي ذكره الشاعر في البيت.
(٣) سبق توثيق هذا البيت وبيان ما في روايته من اختلاف.
(٤) هو أبو الحسن علي بن محمد الغراب البارع، شاعر تونسي ذو معرفة بالفقه المالكي، من أهل صفاقس. انتقل إلى حاضرة تونس واتصل بالأمير الحسيني علي باشا بن محمد، وصار من خواصه. ولما قتل علي باشا تحول إلى علي بن حسين باي، ومدحه فعفا عنه وقربه. توُفِّيَ بمدينة تونس سنة ١١٨٣/ ١٧٦٧. له مقامات أدبية، وديوان شعر حققه محمد الهادي الطاهر المطوي وعمر بن سالم وصدر عن الدار التونسية للنشر سنة ١٩٧٣، ولكن لم يتسن لنا الاطلاعُ عليه لتوثيق البيت الذي أورده المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>