للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نوابغ الكتاب في ألفاظهم ومعانيهم، لتحصلَ منها في ذهن المطالع قوالبُ غيرُ جزئية تُفرغ فيها أمثالُها (١). وإنما القواعدُ التي تُدرَس في هذا الفن ليست غيرَ أنموذج من طرق التعبير، أو كلياتٍ في حسن التنسيق، واختلاف أغراض الكلام، ونحو ذلك مما يجعل بصيرةَ المتعلِّم قادرةً على الحكم والتمييز بين ما يجب أن يأخذَه وما يجب أن يتركه.

إذن فالإنشاء علمٌ تُعرف به كيفيةُ أداء المعاني التي تخطرُ بالذهن أو تُلقى إليه على وجهٍ تتمكن به من نفوسِ المخاطَبين من حيثُ حسنُ ربطِ أجزاء الكلام، واشتمالُه على ما يستجاد من الألفاظ ويحسن من الأساليب مع بلاغته.

فقولنا: "تُعرف به كيفيةُ أداء المعاني"، يدخل فيه علومُ اللغة كلُّها، وقولنا: "التي تخطر بالذهن أو تُلقى إليه"، لقصد التعميم؛ لأن من الناس مَنْ لا يُحسن التعبيرَ عن غير المعاني التي تخطر بذهنه، فإذا كُلِّف إنشاءَ شيء يُقترح عليه لَم يستطع، حتى قيل إن الأفضلَ للكاتب أن يكتب كما يُريد ويُراد منه (٢). وقيل إن الحريري


(١) أردت بقولي "قوالب غير جزئية"، أن النتائج التي يزاولها المتعلمون هي أمورٌ خاصة جزئية، وليس المراد حفظها فقط، كما يتوهم كثيرٌ ممن يروم تعلمَ الإنشاء. حتى إذا دعا أحدَهم داع إلى تحرير شيء، لم يجد من نفسه قدرةً على غير السرقة والأخذ مما حفظه، سواء ناسب المقامَ أم لم يناسب، فيجيء إنشاؤه مسلوبَ الروح مغسولا. بل المراد من المتعلم أن يعلم تلك الأمثلة الجزئية لتحصل منها صورٌ في ذهنه من كيفية التعبير واختلاف الأساليب، وذلك هو المعبَّر عنه بالذوق المعرَّف عندهم بأنه قوةٌ إدراكية لها اختصاصٌ بإدراك لطائف الكلام ووجوه محاسنه الخفية. - المصنف. انظر في بيان معنى الذوق من حيث هو ملكةٌ وكيفيةِ حصوله وعلاقته بالطبع: الجرجاني، أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد: كتاب دلائل الإعجاز، قرأه وعلق عليه محمود محمد شاكر (القاهرة: مطبعة المدني/ جدة: دار المدني، ط ٣، ١٤١٣/ ١٩٩٢)، ص ٦٤٩ - ٥٥٧؛ ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد: مقدمة ابن خلدون، نشرة بعناية درويش الجويدي (صيدا/ بيروت: المكتبة العصرية، ط ٢، ١٤١٦/ ١٩٩٦)، ص ٥٦١ - ٥٦٣.
(٢) وقد قالوا ذلك في المفاضلة بين أبي إسحاق الصابي والصاحب بن عباد؛ فإن الصاحب يكتب كما يريد، والصابي يكتب كما يراد منه، وبين الحالين بونٌ بعيد. انظر "معاهد التنصيص" في ترجمة الصابي. - المصنف. والعباسي - صاحب الكتاب المذكور - إنما هو في الحقيقة ناقلٌ عمن سبق، =

<<  <  ج: ص:  >  >>