للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبا نصر العتبي وهب محاسنَ إنشائه لغير كتاب "التاريخ اليميني" لمَا قصرت شهرتُه عن شهرة الحريري (١)، ولكنه غلط في الوضع.

قال بشرُ بن المعتمر (٢): "ينبغي للمتكلم أن يعرفَ أقدارَ المعاني، ويوازنَ بينها وبين أقدار المستمعين وبين أقدار الحالات، فيجعلَ لكلِّ طبقةٍ من ذلك كلامًا، ولكلِّ حالة من ذلك مقامًا، حتى يقسم أقدارَ الكلام على أقدار المعاني، وأقدارَ المعاني على أقدار المقامات، وأقدارَ المستمعين على أقدار تلك الحالات. فإن كان خطيبًا (٣) تجنب ألفاظَ المتكلمين (علماء الكلام)، [كما أنه إن عبر عن شيء من صناعة الكلام] واصفًا أو مجيبًا أو سائلًا، كان أولى الألفاظ به ألفاظ المتكلمين". (٤)


= لما اتسعت لديهم دائرةُ المكاتبات، ولم يكن أسلوبُ المراسلة فاشيًا فيما قبل الإسلام، تمكنوا لكونهم من العرب أن يمنحوه أسلوبًا يناسبه ويفارق أسلوبَ الخطابة والمحادثة، مثل ما تراه في كتب الخلفاء الراشدين والأمويين، وترى مخالفتها لكيفية الكتب التي كانت تصدر من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكذلك يجب الاقتداء بهم مهما حدث فنٌّ جديد، فيَسُنُّ بُلغاءُ الكتاب لذلك الفن أسلوبًا يناسبه، ويخالف أسلوبَ غيره من الفنون، مع الاحتفاظ على الخصائص العربية. وسيأتي تفصيلُ هذا، وبيانُ خصائصِ كلِّ فنٍّ من فنون الإنشاء. - المصنف.
(١) أبو نصر العتبي محمد بن عبد الجبار ألف "التاريخ اليميني"، نسبةً إلى يمين الدين محمود بن سُبَكْتَكين الغزنوي، فاتح بلاد الهند. - المصنف. أقول: كان العتبي أديبًا ومؤرخًا بارزًا ومن المقربين للسلطان المذكور. توفي سنة ٤٢٧ هـ. أما كتابه المذكور فقد نُشر سنة ١٨٥٧ بمدينة فيينا بعناية المستشرق ثيودور نولدكه، ونشرته بشرح أحمد بن علي المنيني الحنفي المطبعةُ الوهبية بمصر سنة ١٢٨٦ هـ في جزئين بعنوان "الفتح الوهبي على تاريخ أبي نصر العتبي". وأصدرت دار الطليعة ببيروت سنة ٢٠٠٤ طبعة محققة لتاريخ العتبي بعناية إحسان ذنون عبد اللطيف الثامري.
(٢) هو أبو سهل بشر بن المعتمر، الكوفي ثم البغدادي، شيخ المعتزلة، كان أخباريًّا، شاعرًا، فيلسوفًا، له قصيدة في مجلد تام، كان ذكيًّا فطِنًا، توفي سنة ٢٢٠ هـ.
(٣) أي مقام خطابة عام تتفاوت طبقات المستمعين فيه، لا مقام خاص بأهل الصنعة من علماء الكلام.
(٤) الجاحظ: البيان والتبيين، ج ١/ ١، ص ١٠٠. والمقطع الذي أورده المصنف لبشر جزء من كلام له طويل في معنى الخطابة وشروطها (ص ٩٨ - ١٠١). وما بين الحاصرتين لم يورده المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>