للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك في مقام المزح أو الاستخفاف، مثل ما ذُكِر عن إياس القاضي مع الذي قال له: أين القاضي؟ فقال: بينك وبين الحائط، إلى أن قال له: اقض بيننا، قال: قد فعلت، قال: على من؟ قال: على ابن أخت خالتك (١). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي تأول الخيطَ الأبيض والأسود على حقيقتهما: "إنك لعريض القفا". (٢)

ومن هذا القبيل الإلغازُ لاختبار تنبه السامع، أو للإخفاء عن الغير (٣)، كما حُكيَ أن أعرابيًّا أوصى إلى قومه ينذرهم عدوَّهم وكان أسيرًا بيد العدو: "إن


= ابن حسام الدين المعروف بحسام زاده الرومي: رسالة في قلب كافوريات المتنبي من المديح إلى الهجاء، تحقيق محمد يوسف نجم (بيروت: دار صادر، ط ٢، ١٤١٣/ ١٩٩٣).
(١) وتحكى هذه القصةُ أيضًا في أخبار القاضي المشهور أبي شريح شريح بن الحارث بن قيس الكندي، وأن الذي حصلت معه هذه القصة هو عدي بن أرطأة، وربما كانت نسبةُ المصنف إياها إلى إياس بن معاوية سبق قلم. قال ابن عبد ربه: "دخل عديّ بن أرطأة على شريحِ فقال له: أين أنت أصلحك الله؟ فقال: بينك وبين الجدار. قال: إني رجل من أهل الشام، قال: نائي الحل، سحيق الدار. قال: تزوجتُ عندكم، قال: بالرفاء والبنين. قال: وأردتُ أن أرحِّلها، قال: الرجلُ أحقُّ بأهله. قال: وشرطتُ لها دارَها، قال: الشرطُ أملك. قال: فاحكم الآن بيننا، قال: قد فعلتُ، قال: على من قضيتَ؟ على ابنِ أمك، قال: بشهادة مَنْ؟ قال: بشهادة ابن أخت خالتك، يريد إقراره على نفسه". ابن عبد ربه: العقد الفريد، ج ١، ص ٨٢؛ وانظر كذلك ابن خلكان: وفيات الأعيان، ج ٢، ص ٤٦١. وروى الإمام عبد الرزاق بسنده عن محمد بن سيرين قال: "اعترف رجلٌ عند شريح بأمرٍ ثم أنكره، فقضى عليه باعترافه، فقال [يعني الرجل]: أتقضي عليَّ بغيرِ بينة؟ فقال [أي شريح]: شهد عليك ابنُ أختِ خالتك". الصنعاني، أبو بكر عبد الرزاق بن همام: المصنف، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي (بيروت: المكتب الإسلامي، ١٣٩٢/ ١٩٧٢)، "كتاب البيوع - باب الاعتراف عند القاضي"، الحديث ١٥٣٠١، ج ٨، ص ٣٠٣ (وانظر أيضًا الحديث الذي يليه).
(٢) عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: "قلت: يا رسول الله، ما الخيط الأبيضُ من الخيط الأسود؟ أهما الخيطان؟ قال: "إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين"، ثم قال: "لا، بل هو سواد الليل وبياض النهار"". صحيح البخاري، "كتاب التفسير"، الحديث ٤٥١٠، ص ٧٦٦.
(٣) الفصيح أن تُجرَّد "غير" من الألف واللام، بسبب إيغالها في الإبهام، وهو ما قرره سيبويه حيث قال: "وغيرٌ أيضًا ليس باسم متمكِّن. ألا ترى أنها لا تكونُ إلا نكرة، ولا تُجمع، ولا تدخلها الألف واللام! " الكتاب، ج ٣، ص ٥٣٢ (باب ما يحقر لدنوه من الشيء وليس مثله). وهذا ما قرره المصنف نفسه في مبحث فن المعاني من رسالة "موجز البلاغة" المنشورة في هذا المجموع، وعده من باب مخالفة قياس النحو مما يعرض للمولَّدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>