للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العوسج قد أورق، واشتكت النساء، واتركوا ناقتي الحمراءَ فلطالمَا ركبتموها، واركبوا جملي الأسود، واسألوا الحارثَ عن خبري". (١) قال ابن الأثير في المثل: "إن الكاتب أو الشاعر ينظر إلى الحال الحاضرة، ثم يستنبط لها ما يناسبها من المعاني". (٢)

وأما السَّدادُ، فهو الموافقةُ للواقع، والمطابقةُ لمقتضى الحال من غير زيادة، كقول لُبيد:

أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا الله باطلُ ... وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ (٣)


(١) أراد من العوسج الذي هو شجر ذو شوك أن الناس أخذت السلاح لقتال قومه. ومعنى اشتكت النساء: اتخذت الشكوات لمخض اللبن. وأراد بالناقة الحمراء الأرض السهلة، وبالجمل الجبل. - المصنف. هذا وقد أورد القصة أبو علي القالي في سياق الحديث عن اللحن حيث قال: "وأصل اللَّحن: أن تريد الشيء فتورِّي به عنه بقول آخر، كقول رجل من بني عنبر كان أسيرًا في بكر بن وائل، فسألهم رسولًا إلى قومه. قالوا له: لا ترسل إلا بحضرتنا؛ لأنهم كانوا أزمعوا غزو قومه فخافوا أن ينذر عليهم، فجيء بعبد أسود فقال له: أتعقل؟ قال: نعم إني لعاقل. قال: ما أراك عاقلًا، ثم قال: ما هذا؟ وأشار بيده إلى الليل، فقال: هذا الليل؛ فقال أراك عاقلا. ثم ملأ كفيه من الرمل فقال: كم هذا؟ فقال: لا أدري، وإنه لكثير، فقال أَيُّها أكثر، النجوم أو النيران؟ قال: كلٌّ كثير، فقال أبلغ قومي التحية، وقل لهم: ليكرموا فلانًا - يعني أسيرًا كان في أيديهم من بكر بن وائل - فإن قومه لِي مكرمون، وقل لهم: إن العرفج قد أدْبَى، وقد شَكَّت النساء. وأْمُرهم أن يُعْرُوا ناقتِي الحمراء فقد أطالوا ركوبَها، وأن يركبوا جملي الأصهب بآية ما أكلتُ معكم حيسًا، واسألوا الحارث عن خبري. فلما أدى الرسالة إليهم قالوا: لقد جنَّ الأعور، والله ما نعرف له ناقة حمراء، ولا جملًا أصهب، ثم سرحوا العبد ودعَوُا الحارث فقصوا عليه القصة، فقال: قد أنذركم! فأما قوله: قد أدْبَى العرفج، فإنه يريد أن الرجال قد استَلأَمُوا، أي لبسوا الدروع، وقوله: شَكَّت النساء، أي اتَّخذن الشِّكاء للسفر، وقوله: ناقتي الحمراء، أي: ارتَحِلوا عن الدَّهْنَاء واركبوا الصَّمَّان وهو الجمل الأصهب، وقوله: بآية ما أكلت معكم حيسًا، يريد أخلاطًا من الناس قد غزوكم؛ لأن الحيس يجمع التمر والسمن والأقط. فامتثلوا ما قال، وعرفوا فحوى كلامه". القالي: كتاب الأمالي مع كتابي ذيل الأماني والنوادر، ص ١٩ - ٢٠. وانظرها مع بعض الاختلاف في: الدينوري: عيون الأخبار، ج ١، ص ١٩٤ - ١٩٥.
(٢) ابن الأثير: المثل السائر، ج ١، ص ٣٠٧.
(٣) البيت هو التاسع من قصيدته التي يرثي فيها النعمان بن المنذر. ديوان لُبيد بن ربيعة، نشرة بعناية حمدو طماس (بيروت: دار المعرفة، ط ١، ١٤٢٥/ ٢٠٠٤)، ص ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>