للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول الآخر:

إِذَا امْتَحَنَ الدُّنْيَا لَبِيبٌ تَكَشَّفَتْ ... لَهُ عَنْ عَدُوٍّ فِي ثِيَابِ صَدِيق (١)

وقد يخرج عن ذلك المبالغةُ إن اقتضاها الحال، فيُقبل منها ما اقتُصِد فيه، كما تقرر في البيان (٢).

وأما الشَّرفُ فهو أن لا يكون المعنى سخيفًا، ولا مشتملًا على فضول، سواء كان سابقًا للذهن أم مبتكرًا، وكلاهما يُجتنب إذا كان سخيفًا مبتذَلا. ومن المبتكَر السخيف قولُ المعري:

فَيَا وَطَني! إنْ فَاتَنِي بِكَ سَابِقٌ ... مِنَ الدَّهْرِ فَلْيَنْعَمْ لِسَاكِنِكَ الْبَالُ

فَإنْ أَسْتَطِعْ فِي الْحَشْرِ آتِكَ زَائِرًا ... وَهَيْهَاتَ لِي يَوْمَ الْقيَامَةِ أَشْغَالُ (٣)

وقوله في مرثية لوالد الشريف الرضي:

إنْ زَارَهُ المَوْتَى كَسَاهُمْ فِي الْبِلَى ... أَكْفَانَ أَبْلَجَ مُكْرِمِ الأَضْيَافِ

واللهُ إنْ يَخْلَعْ عَلَيْهِمْ حُلَّةً ... يَبْعَثْ إلَيْهِ بِمِثْلِهَا أَضْعَافِ (٤)

ومن غير المبتَكَر - وهو سخيف - ما خطب به والٍ من ولاة اليمامة يعظ الناس فقال: "إن الله لا يُقَارُّ عباده على المعاصي، وقد أهلك الله أمةً عظيمةً في ناقة ما كانت تساوي مائتي درهم"، وفي رواية: "قيمتها مائتا درهم"، فلقبوه مقوم


(١) البيت هو الخاص من قصيدة لأبي نواس في خداع الدنيا. ديوان أبي نواس (بيروت: دار صادر، بدون تاريخ)، ص ٤٦٥.
(٢) راجع في ذلك "موجز البلاغة" للمصنف.
(٣) البيتان هما السادس والسابع بعد الأربعين من القصيدة الثامنة والخمسين من السقط، وعنوانها "لقد زارني طيفُ الخيال فهاجني"، وهي من بحر الطويل. المعري: سقط الزند، ص ٢٣٧ - ٢٤٩.
(٤) المعري: سقط الزند، ص ٢٥٣. والقصيدة من بحر الكامل، وهي في رثاء الشريف أبي أحمد الملقب بالطاهر، وتعزية ولديه الشريف الرضي والشريف المرتضى.

<<  <  ج: ص:  >  >>