للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا قياسُ غيرِه.

وأما تنسيقُ المعاني وتهذيبُها فهو تنقيحُها عن كلِّ ما يعلَقُ بها مما يكون غريبًا عنها، ولا مناسبةَ له بها من خطإ أو صواب. وأظهرُ مواقعِ الحاجة إليه مقامات الاستطراد، ويُسَمَّى الاعتراض. فإن المتكلمَ أو الكاتب أو الخطيب قد تدعوه إلى الاستطراد دواع كثيرةٌ ليلقيَ من المعاني التي يرى الداعيَ لإلقائها موجودًا، ويخشى أن لا يجد لها مناسبةً غيرَ ذكرها عند نظيرها، وذلك كاستطراد الدعاء في طوالع الرسائل، أو استطراد قصة أو حادثة أو شعر في أثناء رسالة أو خطبة.

وتلك سنةٌ قديمة شائعة بين الكتَّاب والخطباء، فيجب أن يكون ذلك الاستطرادُ شديدَ التعلق بالموضوع: إما لثناءٍ، أو بيانٍ، أو تحسينٍ، أو إظهارِ إمكانِه، أو تنظيرِه، أو تذكيرٍ بسابق، أو نحو ذلك. فإن عريَ الاستطرادُ عن شيءٍ من العلاقات المقبولة الواضحة صار أشبهَ بالهذيان، مثل ما وقع لأبي العلاء المعري في نثر في رسالة كتب بها إلى قاض شافعي: "كتابي - أطال الله بقاءَ سيِّدي القاضي شافِي العِيِّ وخليفةِ الشافعِيِّ - ما جاز خيارُ مجلس، ووجب حجرٌ على مفلس. . ." إلخ (١). فإن هذا الظرف الذي استطرده لدعائه لا مناسبةَ بينه وبين الموضوع، إلا أنه ذكر شيئًا من علائق القضاة فرماه جزافًا؛ إذ ليس ذلك بأولَى من أن يقول: ما رُدت شهادة زنديق وقُبل الشاهدان في التطليق.


= (دمشق: طلاس للدراسات والترجمة والنشر، ط ٢، ١٩٨٥)، ج ١، ص ٢٥٨ - ٢٥٩ (وجاءت القصيدة فيه في سبعة عشر بيتًا منسوبة جميعًا إلى يزيد، ولم يتعرض صاحب هذا الكتاب لما ثار حول البيت - بل القصيدة كلها - من خلاف بين النقاد، لا من قريب ولا من بعيد).
(١) هو الكتاب الذي بعث به المعري إلى القاضي طاهر بن عبد الله بن طاهر ببغداد، المعروف بالقاضي أبي الطيب الطبري (المتوفى سنة ٤٥٠ هـ)، ولكنه لم يتمه فيوصل إليه. رسائل أبي العلاء (letters of abu Al-Ala of Maarrat al-Numan)، تحقيق وترجمة دايفيد سمويل مرجوليوث (أوكسفورد: مطابع كلاريندن، ١٨٩٨)، ص ٣٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>