للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليها طبعُه وبصرُه، وإنما المزيةُ للألفاظ (١)، وقولُ ابنِ رشيق القيرواني رحمه الله تعالى (٢): "سمعت بعضَ الحذاق يقول: قال العلماء: اللفظُ أغلى ثمنًا؛ فإن المعانِيَ موجودةٌ في طباع الناس، يستوي فيها الجاهلُ والحاذق". (٣) ولنضرِبْ لك مثلًا ما ذكره أئمةُ الأدب أن أبا تمام كان كثيرًا ما يأخذُ معنى العامة والسوقة فيجيدُ نسجَه، ويجيء غريبًا مبتدَعًا، من ذلك أنه سمع سائلًا يسأل فيقول: "اجعلوا بياضَ عطاياكم في سواد مطالبنا"، فنظمه بقوله:

وَأَحْسَنُ مِنْ نَوْرٍ تُفَتِّحُهُ الصَّبَا ... بَيَاضُ الْعَطَايَا فِي سَوَادِ المَطَالِبِ (٤)

والنظرُ في أحوال اللفظ ينحصر في أحوال الألفاظ المفردة، وأحوال الألفاظ في حال تركيبها، والتدرُّبِ على كيفية التعبير.


(١) الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص ٢٥٦. أصلُ هذا الكلام للجاحظ، وقد نقله عنه الجرجاني وانتقده وعده مذهبًا فاسدا (ص ٢٥٥). أما كلام الجاحظ فجاء في سياق تعليقٍ له على استحسان أبي عمرو الشيباني لمعنى بيتين قالهما أحد "شعراء الأمصار والقرى من المولَّدة والنابتة": "وذهب الشيخ إلى استحسان المعنى. والمعاني مطروحةٌ في الطريق، يعرفها العجميُّ والعربِيُّ، والحضريُّ والبدوِيُّ، والقروِيُّ والمدني. وإنما الشأنُ في إقامة الوزن، وتخير اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحة الطبع، وجودة السبك. فإنما الشعرُ صناعةٌ، وضربٌ من النَّسْج، وجنسٌ من التصوير". الجاحظ: كتاب الحيوان، ج ٣، ص ١٣١ - ١٣٢. وقارن بما في: البيان والتبيين، ج ٢/ ٤، ص ١٤.
(٢) ابن رشيق علي القيرواني، كاتب الدولة الصنهاجة، ولد بالمهدية سنة ٢٩٠ هـ ونشأ بالقيروان، وسكن بمازر من جزيرة صقلية حين انتقل إليها بعد خراب القيروان، وتوفي بها سنة ٣٦٣ هـ. له كتاب العمدة في صناعة الأدب. - المصنف.
(٣) القيرواني: العمدة، ج ١، ص ١٣٤. وفيه بعد الكلام المذكور: "ولكن العمل على جودة الألفاظ، وحسن السبك، وصحة التأليف".
(٤) البيت هو الحادي والعشرون من قصيدة من خمسة وأربعين بيتًا في مدح أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي. ديوان أبي تمام، ص ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>