للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللفظ عن المعنى، وزيادةُ اللفظِ على المعنى، والمواضعةُ، أي الاصطلاحات (١).

وأما اتصالُ جُمَلِ الكلام فهو فُسْطاط علم الإنشاء، وحَلَبةُ استباقِ هِمَم المتضلِّعين فيه. وقد تَتَبَّعْتُ كلامَ أئمةَ الفن، فوجدتُ غايةَ ما تبلغ إليه الضوابطُ في اتصال جُمَلِ الكلام - على كثرةِ الأسماء والألقاب المتناثرة في كتبِ الأدب - أربعةَ أشياء: تناسبَ بعضِ الجمل مع بعض، وعدمَ انفكاك بعضِها عن بعض، والانتقالَ من أسلوب إلى أسلوب، وحسنَ الابتداء، والتخلصَ، والختام.

فأما تناسبُ بعض الْجُمَلِ مع بعض - وهو المعبَّرُ عنه بالفصلِ والوصل - فموضِعُ القولِ فيه في علم البلاغة. وأما ارتباطُ الجُمَلِ وعدمُ انفكاكِ بعضِها عن بعضٍ فهو أن تَتَّصلَ الجملُ ولا يُفصَلَ بينها إلا بشيءٍ مناسبٍ لها، ويُعرَفَ كيف يكونُ الرجوعُ عما فُصِلتْ به إلى ما فُصِلتْ عنه؛ إذ المتكلِّمُ في المقاماتِ الخطابية لا يقتصِرُ على ما تكلَّم لأجله، وإلا لجاء الكلامُ قصيرًا، وما طالت الخطبُ والقصائد، وصار الكلامُ كلُّه أمرًا أو نهيًا أو خبرا (٢).


(١) قال الماوردي في بيان العلل المانعة من فهم معاني الكلام: "وليس يخلو السبَبُ المانعُ من ذلك من ثلاثة أقسام: إما أن يكونَ لعلةٍ في الكلام المترجِمِ عنها، وإما أن يكونَ لعلةٍ في المعنى المستَوْدعَ فيها، وإما أن يكون لعلةٍ في السامِع المستخرج. فإن كان السبَبُ المانعُ من فهمها لعلة في الكلام المترجِم عنها، لم يخل ذلك من ثلاثةِ احوال: أحدها أن يكونَ لتقصيرِ اللفظ عن المعنى. . . الحال الثاني أن يكونَ لزيادةِ اللفظ على المعنى. . . والحال الثالث أن يكونَ لمواضعةٍ يقصدها المتكلِّمُ بكلامه". ثم بين أن "المواضعة ضربان: عامةٌ وخاصة"، وأن المواضعةَ العامة هي "مواضعةُ العلماء فيما جعلوه ألقابًا لمعانٍ لا يستغني المتعلمُ عنها"، وأما المواضعةُ الخاصة فهي "مواضعةُ الواحدِ يقصد بباطِنِ كلامِه غيرَ ظاهرِه". الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد: أدب الدنيا والدين، تحقيق محمد ياسر محمد الحسن (بيروت/ دمشق: دار النفائس، ط ١، ١٤٣٢/ ٢٠١١)، ص ١٠٥ - ١٠٧.
(٢) اهتم المصنفُ في تفسيره بمواضع الاستطراد في القرآن وبيان علائق مستطرداته ومناسباتها ووظائفها البيانية والحجاجية، ومن المناسب أن نورد هنا أنموذجًا لذلك ما جاء في تفسيره لقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} إلى قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ =

<<  <  ج: ص:  >  >>