للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُنا: "يحاول به إقناع أصناف السامعين" يخرج التدريس؛ فإنه كلام يحاول به إقناع صنف واحد من السامعين، وهم طلبة فن خاص في موضع خاص. ولا يُسمَّى ذلك في العرف خطابةً، ولا صاحبُه خطيبًا، وإن كان له عونٌ كبيرٌ على ملكة الخطابة وتعلقٌ شديدٌ بأصولها. ويخرج ما يخاطَبُ به شخصٌ واحد، كالمناظرات العلمية، ومرافعاتِ الخصوم والوكلاء لدى القضاة؛ فإنها لا تُسَمَّى خطابةً عرفًا، وإن كانت شديدةَ التعلق بقواعدها. وفي الحديث: "ولعل بعضَكم أن يكون ألحنَ بحجته من بعض، فأقضى له على نحو ما أسمع". (١)

وقولُنا: "بصحةِ غرضٍ يقصده المتكلِّم"، نريد منه التعميمَ ليشمل كلَّ غرضٍ تصدى له الخطيب لترويجه، سواء كان المرادُ حملَ الناس على فعله كالحث على طلب العلم والجهاد، أم اعتقادَهم صوابه كالخطبة في إرضاء الناس بأمر واقع - ويشمل ذلك الخُطبَ التي يردُّ بها الخطيبُ على الغير، أو يعتذر بها عن فعله أو فعل غيره - أم الكفَّ عن فعل كالمواعظ وتسكين الثورات، أم تحصيلَ علمهم به كالخطب التي تُقال على ألسنة الملوك والرؤساء للإعلام بقانونٍ أو فتحٍ أو نحو ذلك (٢). ويشمل


(١) ألحن تفضيل من لحن لحجته، إذا فطن لها وأفصح عنها. - المصنف. وتمام الحديث: "إنما أنا بشر، وإنكم لتختصمون إلي، ولعل بعضَكم أن يكون ألحنَ بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيتُ له من حق أخيه بشيء فلا يأخذْ منه شيئًا، فإنما أقطع له قطعةً من النار". موطأ الإمام مالك، "كتاب الأقضية"، الحديث ١٣٩٧، ص ٥٠٩؛ صحيح البخاري، "كتاب الأحكام"، الحديث ٧١٦٩، ص ١٢٣٤ (وأخرجه كذلك في كتاب المظالم وكتاب الحيل وغيرهما بألفاظ مختلفة قليلا)؛ سنن أبي داود، "كتاب الأقضية"، الحديث ٣٥٨٣، ص ٥٦٨؛ صحيح مسلم، "كتاب الأحكام"، الحديث ١٧١٣، ص ٦٧٩؛ سنن الترمذي، "كتاب الأحكام"، الحديث ١٣٣٩، ص ٣٤٥.
(٢) مثل ما خطب به عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - بالمدينة حين أرسله عبد الله ابن أبي سرح مبشرًا بفتح إفريقية. - المصنف. وقد ذكر مبتدأَها الجاحظ في: البيان والتبيين، ج ١/ ١، ص ٢٦٨؛ وساقها كاملة الكلاعي. انظر الكلاعي الأندلسي، أبو الربيع سليمان بن موسى: الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء، تحقيق محمد كمال الدين عز الدين علي (بيروت: عالم الكتب، ط ١، ١٤١٧/ ١٩٩٧)، ج ٢/ ١، ص ٥٢ - ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>